القرآن نزولًا، وكانت قصتها شبيهةً بقصتها، فظننت أنها منها، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنَّها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما, ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)} ووضعتها في السبع الطوال.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن الأنفال وبراءة، أسورتان أم سورة؟ قال: سورتان.
وقال محمَّد بن الحنفية (١)، قلت لأبي - يعني عليَّ بن أبي طالب -: لِمَ لَمْ تكتبوا في براءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)}؟ قال: يا بنيَّ إنَّ براءة نزلت بالسيف، وإن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أمانٌ.
وسئل سفيان بن عيينة عن هذا، فقال: لأنَّ للتسمية رجَّةً، والرجة أمان، وهذه السورة نزلت في المنافقين. وسئل أبي بن كعب عن هذا، فقال: إنَّها نزلت في آخر القرآن، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر في كل سورة بكتابة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)}، ولم يأمر في براءة بذلك، فضمت إلى الأنفال؛ لشبهها بها.
وقيل: إن الصحابة اختلفوا في سورة الأنفال وسورة براءة، هل هما سورة واحدةٌ أم سورتان؟ فقال بعضهم: سورة واحدة؛ لأنَّهما نزلتا في القتال، ومجموعهما معًا مئتان وخمس آيات، فكانت هي السورة السابعة من السبع الطوال. وقال بعضهم: هما سورتان. فلمَّا حصل هذا الاختلاف بين الصحابة .. تركوا بينهما فرجةً؛ تنبيهًا على قول من يقول إنهما سورتان، ولم يكتبوا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)}؛ تنبيهًا على قول من يقول هما سورة واحدة، وقد نزل معظمها بعد غزوة تبوك، وهي آخر غزواته - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان الاستعداد لها وقت القيظ - أي: شدة الحر - زمن العسرة، وفي أثنائها ظهر من علامات نفاق المؤمنين ما كان خفيًّا. قيل: وأولها نزل سنة تسع بعد فتح مكة، فأرسل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليًّا ليقرأها على المشركين في الموسم.