{فَإِنْ تَابُوا} عن الشرك الذي يحملهم على عدواتكم وقتالكم ودخلوا في الإِسلام، بأن نطقوا بالشهادتين {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} المفروضة كما تقيمونها في الأوقات الخمسة، والصلاة مظهر الإِسلام وأكبر أركانه وهي مطلوبة من الغني والفقير والأمير والمأمور، وهي حق الله على عباده، تزكى أنفسهم وتهذب أخلاقهم وتؤهلهم للقيام بحقوق عباده. {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.
{وَآتَوُا الزَّكَاةَ}؛ أي: وأدوا الزكاة المفروضة في أموال الأغنياء للفقراء والمصالح العامة {فَخَلُّوا} أيها المؤمنون {سَبِيلَهُمْ}؛ أي: واتركوا لهم طريق حريتهم بالكف عن قتالهم، إذا كانوا مقاتلين، وبالكف عن حصرهم إذا كانوا محاصرين، وبالكف عن رصد مسالكهم إلى البيت الحرام وغيره إذا كانوا مراقبين {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ} يغفر لهم ما سبق من الشرك، وغيره من سيئاتهم {رَحِيمٌ} يرحمهم فيمن يرحم من عباده، وقد جاء في الأثر:"الإِسلام يجب ما قبله".
وفي الآية إيماء إلى أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يوجبان لمن يؤدِّيهما حقوق المسلمين، من حفظ الدم والمال، إلا بما يوجب عليه الشرع من جناية تقتضي حدًّا معلومًا أو جريمةٍ توجب تعزيرًا أو تغريمًا.
روى الشيخان عن عبد الله بن عمر مرفوعًا:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك .. عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله".
والخلاصة: أن اشتراط الأشياء الثلاثة للكف عن قتال المشركين للتحقق من دخولهم في جماعة المسلمين بالفعل، والتزامهم شرائع الإِسلام وإقامة شعائره، إذ مقتضى الشهادة الأولى: ترك عبادة غير الله تعالى، ومقتضى الشهادة الثانية: طاعة الرسول فيما يبلغه عن الله تعالى، واكتفى من أركان الإِسلام بالصلاة التي تجب في اليوم والليلة خمس مرات لأنها الرابطة الدينية والروحية