{و} اتخذت النصارى زيادة على ما مر {المسيح} عيسى {ابْنَ مَرْيَمَ} ربًّا معبودًا بعد ما قالوا: إنه ابن الله.
والمعنى: اتخذ كل من اليهود والنصارى رؤساءهم في الدين أربابًا، فاليهود اتخذوا أحبارهم، وهم علماء الدين، أربابًا بما أعطوهم من حق التشريع فيهم، وإطاعتهم فيه، والنصارى اتخذوا قساوستهم ورهبانهم؛ أي: عبادهم الذين يخضع ويركع لهم العوام أربابًا كذلك.
والرهبان عند النصارى أدنى طبقات رجال الدين، فاتخاذهم أربابًا يقتضي بالأولى أن يتخذوا من فوقهم من الأساقفة والمطارنة والبطاركة، إذ الرهبان يخضعون لتشريع هؤلاء الرؤساء، مدونًا كان أو غير مدون، والعوام يخضعون لتشريع الرهبان، ولو غير مدون، سواء قالوه تبعًا لمن فوقهم، أو من تلقاء أنفسهم، لثقتهم بدينهم، وانفردت النصارى باتخاذهم المسيح ربًّا وإلهًا يعبدونه، ومنهم من يعبد أمه عبادة حقيقةً، ويصرحون بذلك، واليهود لم يقصروا في دينهم على أحكام التوراة، بل أضافوا إليها من الشرائع ما سمعوه من رؤسائهم، ثم دونوه، فكان هو الشرع العام، وعليه العمل عندهم، والنصارى غيَّر رؤساؤهم جميع أحكام التوراة الدينية والدنيوية، واستبدلوا بها شرائع أخرى في العبادات والمعاملات جميعًا، وزادوا حق مغفرة الذنوب لمن شاؤوا، وحرمان من شاؤوا من رحمة الله وملكوته، والله يقول:{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} وزادوا القول بعصمة البابا في تفسير الكتب الإلهية، ووجوب طاعته في كل ما يأمر به من الطاعات، وينهى عنه من المحرمات.
{وَمَا أُمِرُوا}؛ أي: اتخذ هؤلاء الكفار ما ذكر أربابًا من دون الله، والحال أنهم ما أمروا في التوراة والإنجيل {إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} في ذاته وصفاته وأفعاله عظيم الشأن، هو الله تعالى؛ أي (١) اتخذوا رؤساءهم أربابًا من دون الله، والربوبية تستلزم الألوهية، إذ الربُّ هو الذي يجب أن يعبد وحده،