للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأربعة أشهر .. لم يزعجه، ولما جاء الإِسلام .. لم يزدها إلا حرمة وتعظيمًا، ولأن الحسنات والطاعات فيها تتضاعف، وكذلك السيئات أيضًا أشد فيها من غيرها، فلا يجوز انتهاك حرمتها {ذَلِكَ}؛ أي: تحريم الأشهر الأربعة هو {اَلدِّينُ الْقَيِّمُ}؛ أي (١): الدِّين القويم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكانت العرب وَرِثوه منهما، فكانوا يعظمونها ويحرمون القتال فيها، حتى أحدثت النسيء فغيروا، وقيل: أراد بالدين القويم: الحكم الذي لا يغير ولا يبدل، والقيِّم هنا بمعنى الدائم الذي لا يزول، وقيل: المعنى ذلك؛ أي: كون شهور السنة اثني عشر شهرًا هو الدين القيم، أي: الحساب المستقيم والعدد الصحيح المستوفى، فالدين إذًا بمعنى الحساب، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الكيس من دان نفسه - يعني حاسب نفسه - وعمل لما بعد الموت".

فالواجب على المسلمين الأخذ بهذا الحساب والعدد في صومهم وحجهم وأعيادهم وبيعاتهم وأجل ديونهم، وغير ذلك من سائر أحكام المسلمين المرتبة على الشهور {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ}، أي: في هذه الأشهر الحرم الأربعة {أَنْفُسَكُمْ} بإيقاع القتال فيها والهتك لحرمتها، وقيل: الضمير يعود إلى الأشهر كلها الحرم وغيرها.

والمعنى: فلا تظلموا أنفسكم في جميع أشهر السنة بفعل المعاصي وترك الطاعات؛ لأن المقصود منع الإنسان من الإقدام على المعاصي والفساد مطلقًا في جميع الأوقات إلى الممات.

والقول الأول أولى، وهو قول أكثر المفسرين، وقال قتادة: العمل الصالح أعظم أجرًا في الأشهر الحرم، والظلم فيهن أعظم منه فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا.

فإن قلت: لِمَ خص هذه الأربعة بالتحريم؟

قلت: إن الأنفس (٢) مجبولة بطبعها على الظلم والفساد، والامتناع عنه على


(١) البيضاوي.
(٢) الخازن.