للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يضمر بأن. يقال فمن تبعه؛ لأنه أراد بالثاني ما هو أعمّ من الأول، وهو ما أتى به الرسل من الاعتقاديات والعمليات، واقتضاه العقل، أي: فمن تبع ما أتاه من قبل الشرع، مراعيا فيه ما يشهد به العقل من الأدلة الآفاقية والأنفسية {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} في الدارين، من لحوق مكروه {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} من فوات مطلوب، فالخوف (١) على المتوقع، والحزن على الواقع. وقيل: الخوف غم يلحق الإنسان من توقع أمر في المستقبل، والحزن: غم يلحقه من فوات أمر في الماضي، وهو بمعنى ما قبله، وأما الخوف المثبت لهم في بعض الآيات، فهو في الدنيا. اه.

«كرخي». أي: لا يعتريهم ما يوجب ذلك، لا أنه يعتريهم ذلك، لكنهم لا يخافون ولا يحزنون، ولا أنه لا يعتريهم نفس الخوف والحزن أصلا، بل يستمرون على السرور والنشاط، كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله تعالى، وهيبته، واستقصارا للجد والسعي في إقامة حقوق العبودية، من خصائص الخواص والمقربين.

والمعنى (٢): فبعد هبوطكم إلى الأرض، إن يأتكم من جهتي هدى، وشريعة، وبيان حق، ودعوة إليه على ألسنة رسلي، فمن تبع هداي الذي أرسلت به رسلي، واستمسك بالشرائع التي أتوا بها، وراعى ما يحكم العقل بصحته، بعد النظر في الأدلة التي في الآفاق والأنفس، فلا خوف عليهم في الآخرة من العذاب، ولا هم يحزنون على ما فاتهم في الدنيا؛ أي: إن المهتدين بهدي الله لا يخافون مما هو آت، ولا يحزنون على ما فات، فإن من سلك سبيل الهدى، سهل عليه كل ما أصابه، أو فقده؛ لأنه موقن بأن الصبر والتسليم مما يرضي ربه، ويوجب مثوبته، فيكون له من ذلك خير عوض عما فاته، وأحسن عزاه عما فقده، فمثله مثل التاجر الذي يكدّ ويسعى، وتنسيه لذة الربح آلام التعب.

والأديان قد حرّمت بعض اللذات، التي كان في استطاعة الإنسان أن يتمتع بها، لضررها إما بالشخص، أو بالمجتمع، فمن تمثلت له المضارّ التي تعقب


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.