للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمصلحة، بل زادوكم اضطرابًا في الرأي، وضعفًا في القتال، ومفسدةً للنظام، كما حدث مثل ذلك في غزوة حنين، فقد ولى المنافقون الأدبار في أول المعركة، وولى على أثرهم ضعفاء الإيمان من طلقاء فتح مكة، ومن ثم اضطرب نظام الجيش، فولى أكثر المؤمنين معهم بلا تدبر وتفكير، كما هو الشأن في مثل هذه الأحوال، ولأوضعوا؛ أي: ولأسرعوا في الدخول فيما بينكم، سعيًا بالنميمة، وتفريق الكلمة، يبغون بذلك تثبيطكم عن القتال، وتهويل أمر العدو، وإيقاع الرعب في قلوبكم، وفيكم ناس من ضعفاء الإيمان، أو ضعفاء العزم، يسمعون كلامهم، فإذا ألقوا إليهم شيئًا مما يوجب ضعف العزائم .. قبلوه، وفتروا بسببه عن القيام بأمر الجهاد كما ينبغي.

{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم علمًا يحيط بظواهرهم وبواطنهم وأعمالهم ما تقدم منها وما تأخر، وبما هم مستعدون له في كل حال مما وقع، ومما لم يقع، فأحكامه فيهم على علم تام، لا ظن فيه ولا اجتهاد كاجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الإذن لهم، ولا ينافي (١) حالهم هذا لو خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم من عتابه على الإذن لهم في التخلف؛ لأنه سارع إلى الإذن لهم ولم يكن قد علم من أحوالهم لو خرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل، فعوتب - صلى الله عليه وسلم - على تسرعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب، ولهذا قال الله فيما يأتي في هذه السورة {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} الآية، وقال في سورة الفتح: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ} إلى قوله: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} وفي قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} وعيدٌ وتهديدٌ للمنافقين الذين يلقون الفتن والشبهات بين المؤمنين.

والخلاصة: أن وجه (٢) العتاب على الإذن في قعودهم مع ما قص الله تعالى من المفاسد التي تترتب على خروجهم أنهم لو قعدوا بغير إذن منه .. لظهر نفاقهم


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.