امتنعوا من إقامة شعائر الإِسلام وأركانه، وعن ابن عباس: جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان؛ أي: بالحجة والبرهان.
وكان كفار اليهود يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بتحريف السلام عليه، بقولهم: السام عليكم، والسام: الموت، فيقول:"وعليكم" ثم تكرر نقضهم للعهد حتى كان من أمرهم ما تقدم ذكره وكان يعامل المنافقين باللطف واللين بناء على حكم الإِسلام الظاهر، فجرأهم هذا على أذاه - صلى الله عليه وسلم -، بنحو قوله:{هُوَ أُذُنٌ} فأمره الله تعالى في هذه الآية بالغلظة على الفريقين، في جهاده التأديبي لهم؛ لأن أمثالهم لا علاج له إلا هذا.
وهو جهاد فيه مشقة عظيمة؛ لأنه موقف وسط بين رحمته ولينه للمؤمنين المخلصين، وشدته في قتاله لأعدائه المحاربين، يجب فيه إقامة العدل، واجتناب الظلم، وأثر عن عمر أنه قال: أذلوهم، ولا تظلموهم، وفي هذه الغلظة تربية للمنافقين، وعقوبة لهم، يرجى أن تكون سببًا في هداية من لم يطبع الكفر على قلبه، ولم تحط به خطايا نفاقه، فتقطيب وجهه - صلى الله عليه وسلم - في وجوههم تحقيرٌ لهم، يتبعه فيه المؤمنون، ومن ير أنه محتقرٌ بين قومه وأبناء جنسه من الرئيس وغيره .. يضق صدره، ويحاسب نفسه، ويثب إلى رشده، ويتب إلى ربه، وهذه السياسة الحكيمة كانت سبب توبة أكثر المنافقين، وإسلام ألوف الألوف من الكافرين، {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}؛ أي: ومسكنهم ومنزلهم في الآخرة نار جهنم؛ أي: لا مأوى لهم يلجؤون إليه، إلا دار العذاب، التي لا يموت من أوى إليها، ولا يحيا حياة طيبة {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ أي وقبح المرجع لهم هي {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦)} وهذه الجملة مستأنفة لبيان عاقبة أمرهم.
والخلاصة: أنهم قد اجتمع لهم عذابان عذاب الدنيا بالجهاد والغلظة، وعذاب الآخرة، بأن تكون جهنم مأواهم.
ثم ذكر سبحانه، الجرائم الموجبة لجهادهم كالكفار، وهي أنهم أظهروا الكفر بالقول، وهموا بشر ما يغرى به من الفعل، وهو الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أظهره الله عليه، وأنبأه بأنهم سينكرونه إذا سألهم، ويحلفون على إنكارهم