يستأذنوا كاستئذان المرتابين، ولم يعتذروا بالكذب كالمنافقين، ثم كانوا حين قعودهم، ناصحين لله ورسوله، شاعرين بذنوبهم، خائفين من ربهم، وقد بين سبحانه حالهم بقوله:{عَسَى اللَّهُ} أي: حقق الله سبحانه وتعالى: {أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: أن يقبل توبتهم، المفهومة من قوله: اعترفوا بذنوبهم.
قال الزمخشري: فإن قلت (١): قد جعل كل واحد منهما مخلوطًا، فما المخلوط به؟
قلت: كل واحد مخلوط ومخلوط به؛ لأن المعنى، خلطوا كل واحد منهما بالآخر كقولك: خلطت الماء واللبن، تريد خلطت كل واحد منهما بالآخر، وفيه ما ليس في قولك: خلطت الماء باللبن؛ لأنك جعلت الماء مخلوطًا، واللبن مخلوطًا به. وإذا قلته: بالواو، جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطًا بهما، كأنك قلت: خلطت الماء باللبن واللبن بالماء اهـ.
والمعنى: أنهم محلُّ الرَّجاء لقبول توبتهم، بتوفيقهم للتوبة الصحيحة، التي هي سبب المغفرة والرحمة، وإنما يكون ذلك بالعلم بقبح الذنب، وسوء عاقبته، وتوبيخ الضمير، حين تصور سخط الله، والخوف من عقابه، ثم الإقلاع عنه بباعث هذا الألم، والعزم على عدم العود إلى اقترافه، والعزم على العمل بضده، ليمحو أثره من نفسه.
ثم علل هذا بقوله:{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى، {غَفُورٌ} لمن تاب، {رَحِيمٌ} بقبول توبته؛ أي: إنه تعالى يقبل توبتهم؛ لأنه كثير المغفرة للتائبين، واسع الرحمة للمحسنين. وفي معنى الآية قوله:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}. وقوله تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
قال جماعة من العلماء: إن هذه الآية، أرجى آية في القرآن، في توقع رحمة الله، للمذنبين الذين يجترحون السيئات، ثم يتوبون إلى ربهم، ويقلعون عن ذنوبهم.