للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي لا يزال بنيانهم سبب ريبة وشك في الدين؛ لأنهم يظهرون فيه حال قيامه وثباته ما في قلوبهم من آثار الكفر والنفاق، ويدبرون أمورهم ويتشاورون في ذلك، ويلقي بعضهم إلى بعض ما سمعوا من أسرار المؤمنين، مما يزيدهم ريبةً وشكًّا في الدين، وحين أمر رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، بتخريبه وهدمه ثقل ذلك عليهم، وعظم خوفهم وارتابوا في أمرهم، أيتركون على حالهم؟ أم يؤمر بهم فيقتلون وتنهب أموالهم؟ إلى أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في البناء، فلما أمر بتخريبه أصبحوا شاكين في أمره، ولأي سبب كان ذلك؟ ولا يزال هذا شأنهم في جميع الأحوال إلا حال تقطع القلوب أفلاذًا، وصيرورتها جذاذًا، فتكون غير قابلة للإدراك وفي هذا إيماء إلى أن تمكن الريبة في قلوبهم، وإضمار الشك بحيث لا يزول منها ما داموا أحياءً.

والخلاصة: أنه لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا، سببًا للقلق واضطراب النفس، وأن ذلك لا يزول ما دامت القلوب سالمة، أما إذا تفرقت قطعًا وتقطعت أجزاءً بقتلهم، فحينئذٍ يسلون عنه. وقد يكون المراد إلا أن يتوبوا توبةً تتقطع بها قلوبهم ندمًا وأسفًا على تفريطهم.

وقرأ (٢) ابن عامر، وحمزة، وحفص عن عاصم: {إلا أن تقطع} بفتح التاء والطاء المشددة؛ أي: يتقطع. وقرأ باقي السبعة: بضم التاء مبنيًّا للمجهول. وعن ابن كثير: {إلا أن تقطع قلوبهم}، بفتح الطاء، وسكون القاف وفتح قلوبهم على الخطاب؛ أي: إلا أن تجعل قلوبهم قطعًا بالسيف. وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب {إلى أن تقطع قلوبهم}. وقرأ أبو حيوة: كذلك، إلا أنه قرأ: بضم التاء وفتح القاف، وكسر الطاء مشددة على الخطاب للرسول، وقلوبهم بالنصب، أي: تقتلهم، أو فيه ضمير الريبة، وفي مصحف عبد الله: {ولو قطعت قلوبهم} بالبناء للمجهول. وكذلك قرأها أصحابه. وحكى أبو عمرو: هذه القراءة {إن قطعت}


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط والمراح.