للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إما قاتلين لأعدائه الصادين عن سبيله، وإما مقتولين شهداء في هذه السبيل، ولا فرق بين القاتل والمقتول في الفضل والمثوبة عند الله، فكل منهما كان في سبيله، ولم يكن رغبة في سفك الدماء، ولا حبًّا للأموال ولا توسلًا إلى ظلم العباد، كما يفعل الذين يقاتلون الآن لأغراض الدنيا من الملوك والأمراء.

وقرأ عمر بن الخطاب والأعمش (١): {وأموالهم بالجنة}. وقرأ الحسن، وقتادة، وأبو رجاء، والعربيان، أبو عمرو، وابن عامر، والحرميان، نافع، وابن كثير، وعاصم، أولًا: {فيقتلون} بالبناء للفاعل، وثانيًا: {ويقتلون} بالبناء للمفعول؛ وقرأ النخعي، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، والأخوان - حمزة والكسائي - بعكس ذلك، والمعنى واحد، إذ الغرض أن المؤمنين يقاتلون ويؤخذ منهم من يقتل، وفيهم من يقتل، وفيهم من يجتمع له الأمران، وفيهم من لا يقع له واحد منهما، بل تحصل منهم المقاتلة.

وقال أبو علي (٢): القراءة الأولى بمعنى، أنهم يقتلون أولًا، ويقتلون، والأخرى يجوز أن تكون في المعنى، كالأولى؛ لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم، فإن لم يقدر فيه التقديم، فالمعنى، يقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل.

وفي "المراح" (٣): فمعنى تقديم الفاعل على المفعول، أنهم يقتلون الكفار ولا يرجعون عنهم إلى أن يصيروا مقتولين. وأما تقديم المفعول على الفاعل، فالمعنى: أن طائفة كبيرة من المسلمين، وإن صاروا مقتولين لم يصر ذلك رادعًا للباقي عن المقاتلة، بل يبقون بعد ذلك مقاتلين مع الأعداء، قاتلين لهم بقدر الإمكان. {وَعْدًا عَلَيْهِ}؛ أي: وعدهم الله ذلك عليه وعدًا {حَقًّا}؛ أي: ثابتًا عليه وأوجبه على نفسه وجعله حقًّا وأثبته {فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} فإن الله سبحانه بين في الكتابين أنه اشترى من أمة محمَّد أنفسهم وأموالهم بالجنة،


(١) البحر المحيط.
(٢) زاد المسير.
(٣) المراح.