للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَنَالُونَ}؛ أي: ولا يصيبون {من عدو} وكفار، {نيلا}؛ أي: إصابة أسرًا أو قتلًا أو هزيمةً أو غنيمةً، أو نحو ذلك قليلًا كان أو كثيرًا، {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ}؛ أي: إلا حالة كونهم يكتب لهم بكل واحد من الأمور الخمسة، {عَمَلٌ صَالِحٌ} وثواب حسن جزيل؛ لأن من قصد طاعة الله تعالى، كان جميع حركاته وسكناته حسنات مكتوبةً له عند الله تعالى. وجملة (١) كتب، حالية فهذا التركيب نظير قولك: ما جاء زيد إلا راكبًا، اهـ شيخنا. وفي "أبي السعود" {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ}؛ أي: بكل واحد من الأمور المعدودة عمل صالح، وحسنة مقبولة، مستوجبة بحكم الوعد الكريم للثواب الجميل وقيل الزلفى، اهـ.

والمعنى: أي لم (٢) يكن لهم حق التخلف، بل يجب عليهم الاتباع بسبب أن كل ما يصيبهم في جهادهم من أذًى وإن كان قليلًا كظمأ لقلة الماء أو نصب لبعد الشُّقَّة أو لقلة الظهر، أو مجاعة لقلة الزاد، ومن إيذاء للعدو وإن صغر كوطء أرضه الذي يعده استهانة بقوته، فيغيظه أن تمسه أقدام المؤمنين، أو حوافر خيولهم، أو النيل منه بجرح، أو قتل أو أسر أو هزيمة، أو غنيمة إلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح يجزى عليه بالثواب العظيم، وما أكثر هذه الأعمال الصالحة التي تشمل كل حركة من بطشة يد، أو وطأة قدم، أو عروض جوع، أو عطش أو نحو ذلك، ولما كان الظمأ أشق الأشياء المؤذية للمسافر بكثرة الحركة وإزعاج النفس وخصوصًا في شدة الحر كغزوة تبوك، بدىء به أولًا، وثنى بالنصب وهو التعب؛ لأنه الكلال الذي يلحق المسافر والإعياء الناشيء من العطش والسير، وأتى ثالثًا بالجوع لأنه حالة يمكن الصبر عليها الأوقات العديدة، بخلاف العطش والنصب المفضيين إلى الخلود والانقطاع عن السفر، فكان الإخبار بما يعرض للمسافر أولًا فثانيًا فثالثًا، ذكره أبو حيان.

وفي الآية إيماء إلى أن من قصد خيرًا كان سعيه فيه من قيام أو قعود أو مشي أو كلام، أو نحو ذلك مشكورًا مثابًا عليه وإلى أن المدد القادم بعد انقضاء


(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.