الموت، أو تشفع لهم في الآخرة على تقدير أن يبعثوا؛ لأنهم كانوا شاكين في البعث؛ أي: ونحن إنما نعبدهم ونعظم هياكلهم ونطيبها بالعطر، ونقدم لها النذور ونهل لهم عند ذبح القرابين، بذكر أسمائهم، وبدعائهم والاستغاثة بهم؛ لأنهم يشفعون لنا عند الله تعالى، ويقربونا إليه زلفى، ويدفعون بجاههم عنا النبلاء ويعطوننا ما نطلب من النعماء، والإخبار بهذا عن الكفار هو على سبيل التجهيل والتحقير لهم ولمعبوداتهم، والتنبيه على أنهم عبدوا ما لا يستحق العبادة. وقال أهل المعاني: توهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله من عبادتهم إياه، وقالوا لسنا بأهلٍ أن نعبد الله، ولكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، فإنها تكون شافعة لنا عند الله، قال تعالى إخبارًا عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
فأساس عقيدة الشرك، أن جميع ما يطلب من الله تعالى، لا بد أن يكون بوساطة المقربين عندهم، إذ هم لا يمكنهم التقرب من الله والحظوة عنده بأنفسهم؛ لأنها مدنسة بالمعاصي. أما الموحدون فيعتقدون أنه يجب على العاصي أن يتوجه إلى الله وحده، تائبًا إليه طالبًا مغفرته ورحمته. والاستفهام في قوله:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ} للتوبيخ والتقريع والإنكار والتهكم. وقرأ أبو السمال العدوي {أتنبئون} بالتخفيف من أنبأ، ينبىء. وقرأ من عداه: بالتشديد من نبأ، ينبىء؛ أي: قل لهم يا محمَّد تبكيتًا لهم، ومبينًا لهم كذبهم ومنكرًا عليهم افتراءهم على ربهم، أتخبرون الله سبحانه وتعالى:{بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: بالأمر الذي لم يعلم الله سبحانه وتعالى وجوده في السموات، وهو شفاعة الملائكة لهم، ولا وجوده في الأرض وهو شفاعة الأصنام، وإذا لم يعلم الله شيئًا من الأشياء، استحال وجود ذلك الشيء؛ لأنه تعالى لا يعزب عن علمه شيء. وقال الضحاك: أتخبرون الله أن له شريكًا، ولا يعلم الله لنفسه شريكًا في السموات ولا في الأرض، انتهى. ولو كان له شفعاء يشفعون لكم عنده، لكان أعلم بهم منكم، إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذًا هؤلاء لا وجود لهم عنده، وأنكم قد اتخذتم ذلك قياسًا على ما ترونه من الوساطة عند الملوك الجاهلين بأمور رعيتهم، والعاجزين عن تنفيذ مشيئتهم فيهم، بدون وساطة