اختلاف ألوانها وأنواعها من أصناف شتى تكفي الناس في أقواتهم ومراعي أنعامهم. وحتى في قوله:{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} غاية لمحذوفٍ تقديره: وما زال ذلك النبات ينمو ويزهو ويكبر، حتى إذا أخذت الأرض، واستوفت واستكملت إنباتها وأظهرت زخرفها وجمالها وبهجتها من النبات {وَازَّيَّنَتْ}؛ أي: تزينت بذلك الزخرف والنبات، كعروس أخذت حليها من الذهب والجواهر والحلل المختلفة الألوان، ذات البهاء والبهجة، وازينت بها في ليلة زفافها {وَظَنَّ أَهْلُهَا}؛ أي: أهل تلك الأرض {أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا}؛ أي: قادرون على التمتع بثمراتها، متمكنون من جذاذها وحصدها، وتحصيل ثمارها وزروعها وبقولها. وجواب {إذَا} قوله: {أَتَاهَا}؛ أي: أتى ثمار تلك الأرض وزروعها {أَمْرُنَا}؛ أي: قضاؤنا بهلاكها، وجاءها عذابنا {لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا}؛ أي: فجعلنا ثمار تلك الأرض وزروعها {حَصِيدًا}؛ أي: كالمحصود بالمناجل المقطوع من أصله المعدوم، وصارت تلك الثمار والزروع {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ}؛ أي: كأنها لم توجد، ولم تنبت على تلك الأرض {بِالْأَمْسِ}؛ أي: في الزمن الماضي أصلًا. والمراد بالأمس الزمن الماضي، لا خصوص اليوم الذي قبل يومك؛ أي: نزل بها في تلك الحال أمرنا المقدر لهلاكها، فجاءتها جائحة، وضرب زرعها بعاهة، كجراد أو صقيع، الذي يسقط بالليل من السماء شبيه بالثلج شديد أو ريح سموم ليلًا وهم نائمون أو نهارًا وهم غافلون، فجعلناها كالأرض المحصودة التي قطعت ثمارها، واستؤصل زرعها، ولم يبق منه شيء، أو كأنها لم تنبت، ولم تكن زروعها نضرة بالأمس. وجاء هذا المعنى في قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)}.
والمعنى: إن هذه الحياة الدنيا التي ينتفع بها المرء، مثل النبات الذي لما عظم الرَّجاء في الانتفاع به .. وقع اليأس منه بالهلاك والمتمسك بالدنيا، إذا نال منها بغيته .. أتاه الموت بغتة، فسلبه ما هو فيه من نعيم الدنيا ولذاتها. وقيل: يحتمل أن يكون ضرب هذا المثل لمن ينكر المعاد، والبعث بعد الموت، وذلك؛ لأن الزرع إذا انتهى وتكامل في الحسن إلى الغاية القصوى .. أتته آفة، فتلف