للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التي تزعمون أنها ممدة لكم في المهمات والملمات، أو من سائر خلق الله تعالى وقوله: {مِنْ دُونِ اللَّهِ} متعلق بـ {وَادْعُوا} ودون جار مجرى أداة الاستثناء؛ أي: ادعوا سواه تعالى، ممن استطعتم من خلقه، ذكره: أبو السعود {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في أني افتريته؛ أي: واطلبوا من يعينكم على ذلك من دون الله، ولن تستطيعوا أن تفعلوا شيئًا من ذلك، فإن جميع الخلق عاجزون عن هذا {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)}. وإذ قد (١) عجزتم عن ذلك، مع شدة تمرسكم، ولم يوجد في كلام أولئك، الذين نصبت لهم المنابر في سوق عكاظ، وبهم دارت رحى النظم والنثر، وتقضت أعمارهم في الإنشاء والإنشاد، مثله فهو ليس من كلام البشر، بل هو من كلام خالق القوى والقدر.

ومن البيّن أنه ما كان لعاقل مثله، - صلى الله عليه وسلم -، أن يتحداهم هذا التحدي، لو لم يكن موقنًا، أن الإنس والجن لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن في جملته، ولا بسورة مثله، إذ لو كان هو الذي أنشأه وألفه لمصلحة الناس برأيه لكان عقله وذكاؤه، يمنعانه من الجزم بعجز عقلاء الخلق، من العوالم الظاهرة والباطنة عن الإتيان بسورة مثل ما أتى هو به. إذ العاقل الفطن يعلم أن ما يمكنه من الأمر، قد يمكن غيره، بل ربما وجد من هو أقدر منه عليه.

والخلاصة: أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان على يقين بأنه من عند ربه، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كغيره لا يقدر على الإتيان بمثله.

وقرأ (٢) الجمهور {تصديق} {وتفصيل} بالنصب على أنه خبر لكان المحذوفة كما قدرناه في الحل. وقيل: انتصب على أنه مفعول لأجله، والعامل محذوف تقديره: ولكن أنزل للتصديق. وقرأ عيسى بن عمر {تفصيل} و {تصديق} بالرفع هنا، وفي يوسف على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: ولكن هو تصديق. وزعم الفراء ومن تابعه: أن العرب إذا قالت: ولكن بالواو، آثرت


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.