للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفدية؛ لأنها تساويه، وتماثله، وتجري مجراه {وَلا هُمْ}؛ أي: ولا أصحاب النفوس الكافرة {يُنْصَرُونَ}؛ أي: يمنعون من دخول عذاب الله تعالى، ومن أيدي المعذّبين، فلا نافع، ولا شافع، ولا دافع لهم، والضمير، لما دلّت عليه النفس الثانية المنكرة، الواقعة في سياق النّفي من النفوس الكثيرة، والتذكير، لكونها عبارة عن العباد والأناسي. والنصرة ههنا أخصّ من المعونة؛ لاختصاصها بدفع الضرر.

فإن قلت: ما الحكمة في تقديم الشفاعة على العدل هنا؟ وعكسه فيما يأتي في قوله: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ}.

قلت: للإشارة هنا إلى من ميله إلى حبّ نفسه، أشدّ منه إلى حب المال، وثم إلى من هو بعكس ذلك والمعنى؛ أي: ليس (١) لهم أنصار يمنعونهم من عذاب الله، ويدفعون عنهم عقابه يعني (٢): أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر، كما لا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل، ولا فدية. بطلت هنالك المحابة، واضمحلت الرّشا، والشفاعات، وارتفع من القوم التناصر والتعاون، وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء، والنصراء، فيجزي بالسيئة مثلها، وبالحسنة أضعافها. والخلاصة (٣): أن ذلك يوم تتقطع فيه الأسباب، وتبطل منفعة الأنساب، وتتحول فيه سنة الحياة الدنيا، من دفع المكروه عن النفس بالفداء، أو بشفاعة الشافعين عند الأمراء، والسلاطين، أو بأنصار ينصرونها بالحق، والباطل على سواها، وتضمحل فيه جميع الوسائل، إلا ما كان من إخلاص في العمل، قبل حلول الأجل، ولا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الله تعالى.

وقد كان اليهود كغيرهم من الأمم الوثنية، يقيسون أمور الآخرة على أمور الدنيا، فيتوهمون أنه يمكن تخليص المجرمين من العذاب، بفداء يدفع، أو


(١) ابن كثير.
(٢) العمدة.
(٣) المراغي.