طلبهم، فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه، فلم يدروا أين يذهبون، فدعا موسى مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك، فقالوا: إنّ يوسف لما حضره الموت، أخذ على إخوته عهدا، أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم، فلذلك انسد عليهم الطريق، فسألهم عن موضع قبره، فلم يعلمه أحد غير عجوز قالت: لو دللت على قبره، أتعطيني كلّ ما سألتك؟ فأبى عليها، وقال: حتى أسأل ربي، فأمره الله بإيتاء سؤلها، فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي، فاحملني، وأخرجني من مصر، هذا في الدنيا، وأمّا في الآخرة، فأسألك أن لا تنزل في غرفة إلا نزلتها معك. قال: نعم. قالت: إنه في جوف الماء في النيل، فادع الله أن يحسر عنه الماء، فدعا الله أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف، فحفر موسى ذلك الموضع، واستخرجه في صندوق من صنوبر. قالوا: إنّ موسى استخرج تابوت يوسف من قعر النيل بالوفق، وهو أول علم أوجده الله سبحانه بنفسه، وعلمه آدم عليه السلام، فتوارثه الأنبياء آخرا عن أوّل. ثم إنه حمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق فساروا، فكان هارون أمام بني إسرائيل، وموسى على ساقتهم، فلمّا علم بذلك فرعون، جمع قومه فخرج في طلب بني إسرائيل، وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف جواد ذكر ليس فيها رمكة، على رأس كل واحد منهم بيضة، وفي يده حربة، فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر، والماء في غاية الزيادة، فأدركهم فرعون حين أشرقت الشمس، فقال فرعون في أصحاب موسى: إن هؤلاء لشرذمة قليلون، فلما نظر أصحاب موسى إليهم، بقوا متحيّرين، فقالوا لموسى: إنا لمدركون يا موسى! أوذينا من قبل أن تأتينا، ومن بعد ما جئتنا، اليوم نهلك، فإنّ البحر أمامنا إن دخلناه غرقنا، وفرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا يا موسى! كيف تصنع؟ وأين ما وعدتنا؟ قال موسى: كلا إن معي ربي سيهدين، فأوحى الله سبحانه إلى موسى عليه السلام، أن اضرب بعصاك البحر، فضربه، فلم يطعه، فأوحي إليه أن كنّه، فضربه، وقال: انفلق يا أبا خالد! انفلق، فصار فيه اثنا عشر طريقا، كل طريق كالجبل العظيم، وكان لكل سبط طريق يأخذون فيه وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبسا، فخاضت بنو إسرائيل البحر، وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يرى بعضهم بعضا، فقالوا: ما لنا لا نرى إخواننا؟