قال أبو بكر البيهقيُّ في كتاب "الأسماء والصفات"(١) له: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "كانَ الله ولم يكن شيء قبله" يعني لا الماءَ ولا العرشَ، ولا غَيْرهُما، قوله:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} يعني: وخَلَقَ الماء، وخلق العرشَ على الماء، ثم كتَبَ في الذكر كلَّ شيء، وقوله:"في عماء" العَماء بالمدِّ: السحابُ الرقيقُ، ويريدُ بقوله:"في عماء"؛ أي: فوقَ سحاب مدبِّرًا له، وعاليًا عليه، وقوله:"وما فوقه هواء"؛ أي: ما فوق السحاب هواءٌ، وكذلك قوله:"وما تحته هواء"؛ أي: ما تَحتَ السحابِ هواء، وقال الأزهري: قال أبو عبيد: إنما تأوَّلْنَا هذا الحديثَ على كلام العرب المعقولِ عَنْهُم وإلا فلا نَدْري كيف كان ذلك العماءُ؟ قال الأزهري: فنحنُ نُؤْمِنُ به ولا نكيِّفُ صِفَتَهُ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"كتب الله مقاديرَ الخلق قَبْلَ أن يَخْلُق السموات والأرضَ بخمسين ألف سنةٍ، وكان عرشه على الماء"، وفي روايةٍ:"فَرَغَ الله من المقادير، وأمورِ الدنيا قبل أن يَخْلُقَ السموات والأرضَ، وكان عرشُه على الماء بخمسينَ ألْفَ سنة". أخرجه مسلم.
قوله: فَرغ: يريد إتْمامَ خَلْقِ المقادير، لا أنه كان مشغولًا، ففَرَغَ منه، لأنَّ الله تعالى لا يشغَلُه شأنٌ عن شأن، فإنما أمره إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ له: كن فيكون.
وعرش الرحمن من عالم الغيب الذي لا ندركه بحواسِّنا, ولا نستطيع تصويرَهُ بأفكارنا، فلا نَعلمُ كُنْهَ استوائِه عليه، ولا صُدُورَ تدبيره، لأمر هذا الملك العظيم، ومِن ثمَّ رُوي عن أمِّ سلمة، رضي الله عنها، وعن مالك، وربيعةَ قولهم: الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ.
ومن الآية نَعْلَم أنَّ الذي كانَ دونَ العرش من مادَّةِ الخَلْقِ قبل تكوين السموات والأرض هو الماء الذي جَعَلَهُ الله أصْلًا لخلق جميع الأحياءِ، كما