للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في النسب {صَالِحًا} عطف بيان، لأخاهم، وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خاور بن ثمود، وعاش صالحٌ مئتي سنة وثمانين سنةً، وبينه وبين هود مئةُ سنة، وثمود هم سكَّانُ الحِجْر، مكانُ بين الشام والمدينة {قَالَ} استئنافٌ بيانيٌّ كأنَّ قائِلًا قال: فما قال لهم صالحٌ حين أرسل إليهم؟ فقيل: قال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وحده، أي: وَحَّدُوا الله وخُصّوه بالعبادةِ، {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} يعني هو إلهكم المستحق للعبادة، لا هذه الأصنام، ثُمَّ ذَكَرَ سبحانه وتعالى الدَّلائِلُ الدالَّةَ على وحدانيته، وكمال قدرته، فقال: {هو} سبحانه وتعالى الإله الذي {أَنْشَأَكُمْ}، وابتدأ خَلْقَكُم {مِنَ الْأَرْضِ}، وذلك أنهم من بني آدم، وآدم خُلق من الأرض، فمن لابتداء الغاية (١)؛ أي: ابتدأ إنشاءَكم منها؛ فإنَّه خَلَق آدمَ من التراب، وهو أنموذج منطو على جميع ذرياته التي ستوجد إلى يوم القيامة، انطواءً إجماليًّا؛ لأنَّ كل واحد منهم مخلوق من المني، ومن دم الطَّمثِ، والمنيُّ إنما يتولد من الدم، والدمُ إنما يتولد من الأغذية، وهي إما حيوانية أو نباتية، والنباتية، إنما تتولد من الأرض، والأغذية الحيوانية لا بُدَّ أن تَنتَهي إلى الأغذية النباتية المتولدة من الأرض، فثبَتَ أنه تعالى أنشأَ الكل من الأرض، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}؛ أي: جَعَلَكم سُكَّانَ الأرض، وصيركم عامرين لها، أو جَعَلَكم معمِّرين ديارَكم تسكنونَها مدة أعماركم، ثمَّ تتركونها لغيركم، وقال الضحاك (٢): أطال أعمارَكم فيها، حتى كان الواحدُ منهم يعيشُ ثلاثَ مئة سنة إلى ألف سنة، وكذلك كان قوم عاد، وقال مجاهد: أعْمَركم من العمرى؛ أي: جَعَلَها لكم ما عشتم {فَاسْتَغْفِرُوهُ}؛ أي: فاطلبوا مغفرةَ الله بالإيمان, أي آمِنُوا بالله وحده {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}؛ أي: ارْجِعُوا إلى عبادته تعالى من عبادة غيره, لأنَّ التوبةَ لا تصح إلا بعد الإيمان {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ} إلى عباده بالعلم، والسمع، والرحمة، {مُجِيبٌ} دعاءَ المحتاجين بفضله ورحمته، والذي (٣) يَلُوحُ للخاطر أنَّ قوله تعالى: {قَرِيبٌ} راجع لـ {تُوبُوا} و {مُجِيبٌ} لـ {اسْتَغْفِرُوا}؛ أي: ارجعوا إلى الله، فإنه قريب ما هو


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.