للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان يخلط اللبنَ بالماء ليُرَى كثيرًا، فجاء السيل، وقَتَلَ بقَرَهُ، فقالَت صِبيته: يا أبت قد اجتمعت المياه الَّتي خلطتها في اللبن، وقتلتْ البقرَ. وقرأ (١) إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة: {بَقِيَّةٍ} بتخفيفِ الياء. قال ابن عطية: هي لغةٌ، انتهى. وذلك أنَّ قِياسَ فَعِلَ اللازم أن يكون على وزن فعِلٍ نحو: سَجِيَتِ المرأة فهي سَجِيَة، فإذا شدَّدت الياءَ .. كان على وزن فعيل للمبالغة. وقرأ الحسن: {تَقِيَّة} بالتاء، وهي تقواه، ومراقبته الصارفة عن المعاصي فقوله: {بقيت الله} يُرْسَم بالتاء المجرورة، وإذا وقفت عليه اضطرارًا يصح الوقف بالمجرورة، والمربوطة، وليس في القرآن غيرها، اهـ "فتوحات"؛ أي: المال الحلال الذي يبقى لكم خير من تلك الزيادة الحاصلة بطريق التطفيف {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: مصدقين لي في مقالتي لكم، أو إن كنتم مؤمنين به تعالى حقَّ الإيمان, فالإيمان يطهِّر النفسَ من رَذيلةِ الطمع، ويحلِّيها بفضيلة السَّخاءِ والكرم، وإنما شرط (٢) الإيمان في خيريَّة ما بقي بعد الإيفاءِ, لأنَّ فَائِدَتَهُ وهي حصول الثوابِ، والنجاةُ من العقاب إنما تَظْهَرُ مع الإيمان, فإنَّ الكَافِرَ مخلد في عذاب النيران، ومحروم مِن رضوانِ الله تعالى، وثواب الرحمنِ، سواء أوفى الكيلَ والميزانَ أو سلَكَ سبيل الخوان.

{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}؛ أي: برقيب (٣) أرقبُكم عند كيلكم، ووَزْنِكم؛ أي: لا يُمْكِنُني شهودُ كُلَّ معاملة تصدرُ منكم حتى أؤاخذكم بإيفاء الحق، وقيل: أي: لا يتهيَّأ لي أن أَحْفَظَكم من إزالة نعم الله عليكم بمعاصيكم، اهـ "قرطبي". وقيل (٤): أي: وما أنا بالذي أستطيع أن أحْفَظَكم من القبائِح، وإنَّما أنا ناصحٌ مبلِّغ، وقد أعْذَرَتُ إذ أنْذَرْتُ، ولم آل جهدًا في ذلك.

فائدة: واعلم (٥) أنَّ العدلَ ميزان الله في الأرض، سواء كان في الأحكام، أو في المعاملات، والعدول عنه يؤدِّي إلى مؤاخذة العباد، فينبغي أن يتجنَّب الظلم، والمرادُ بالظلم أن يتضرَّرَ به الغير، والعدل أن لا يتضرَّرَ منه أحدٌ بشيء ما. قال


(١) البحر المحيط.
(٢) روح المعاني.
(٣) قرطبي.
(٤) المراغي.
(٥) روح البيان.