للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بواعظ يعظ الناسَ بلسانه دون عمله. قال في "الإحياء": أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: يا ابن مريم عِظْ نَفْسَك، فإن اتعظَتْ .. فعظ الناس، وإلا فاستحيي مني.

والمعنى: أي وما أريد بنهيي إياكم عما أنهاكم عنه من البَخْس والتطفيف أنْ أقصده بعد ما ولَّيْتم عنه فأستبدَّ به دونكم، مؤثرًا لنفسي عليكم، بل أنا مُسْتَمْسِكٌ به قبلكم.

{إِنْ أُرِيدُ}؛ أي: ما أريد بما أباشره من الأمر والنهي {إِلَّا الْإِصْلَاحَ}؛ أي: إلَّا أَنْ أصلحكم بالنصيحة والموعظة {مَا اسْتَطَعْتُ}؛ أي: مِقْدَارَ ما استطعته من الإصلاح. قال في "بحر العلوم": (ما) مصدرية، واقعة موقع الظرف؛ أي: ما أريد بالأمر والنهي إلا الإصلاح لكم، ودَفْعُ الفساد في دينكم، ومعاملاتكم مدةَ استطاعتي الإصلاحَ، وما دمت متمكنًا منه لا أترك جهدي في بيان ما فيه مصلحة لكم. وفي ذلك (١) إيماءٌ إلى إثبات عقله، ورشده، وحكمته، وإبطال لتهكمهم، واستهزائهم بتلقيبهم إياه بـ {الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}. {وَمَا تَوْفِيقِي}؛ أي: وما كوني موفَّقًا هاديًا نبيًّا مُرْشِدًا {إِلَّا بِاللَّهِ}؛ أي: إلَّا بتأييد الله سبحانه، وإقداري عليه، ومَنحي إياه، وهو مصدر من المبني للمفعول؛ أي: وما كوني موفَّقًا لتحقيق ما أقصده من إِصلاحكم. {إِلَّا بِاللَّهِ}؛ أي: إلا بتأييده ومعونته، بل الإصلاحُ من حيث الخلق مستندٌ إليه، وإنما أنا من مباديه الظاهرة، والتوفيق (٢) يتعدَّى بنفسه، وباللام وبالباء، وهو تسهيل سبل الخير، وأصله موافقةُ فعل الإنسان القدرَ في الخير، والاتفاق هو: موافقةُ فعل الإنسان خيرًا كان أو شرًّا القَدَر. وقال في "التأويلات النجمية": التوفيقُ: اختصاص العبد بعناية أزلية، ورعاية أبدية، انتهى.

والخلاصة (٣): وما توفيقي لإصابة الحق والصواب في كل ما آتي، وما أَذَرُ


(١) المراغي.
(٢) روح المعاني.
(٣) المراغي.