الاقتصار على النقلي، والمسموع، وترك الاستنباط، أو المراد به: أمرا آخر، وباطل أن يكون المراد به أن لا يتكلّم أحد في القرآن إلّا بما سمعه، فإنّ الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - قد قرؤوا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي صلّى الله عليه وسلم، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم دعا لابن عباس، وقال:«اللهمّ فقّهه في الدين، وعلّمه التأويل»، فإن كان التأويل مسموعا، كالتنزيل، فما فائدة تخصيصه بذلك، وهذا بيّن لا إشكال فيه؛ وإنّما النهي يحمل على وجهين:
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأوّل القرآن على وفق رأيه، وهواه، ليحتّج على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي، والهوى، لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى، وهذا النوع يكون تارة مع العلم، كالذي يحتجّ ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك، ولكن مقصوده أن يلبّس على خصمه، وتارة يكون مع الجهل، وذلك: إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويرجّح ذلك الجانب برأيه وهواه، فيكون قد فسّر برأيه أي رأيه حمله على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجّح عنده ذلك. ذكره القرطبي.
والثاني: وقال ابن عطيّة: وكان جملة من السّلف - كثير عددهم - يفسّرون القرآن، وهم أبقوا على المسلمين ذلك - رضي الله عنهم - فأمّا صدر المفسّرين والمؤيّد فيهم، فعليّ بن أبي طالب