للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخلاصة ذلك: اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والمشاقة، وسائر ما لا خَيرَ فيه. وهذا كلامٌ مِن واثقٍ بقوته بربه، وضَعْفِ قومه على كثرتهم، وإدلالهم عليه، وتهديدهم له بقوتهم. {إِنِّي عَامِلٌ} على مكانتي حذف للاختصار، والاكتفاء أي عامل بقدر ما آتاني الله من القدرة، وعلى حسب ما يؤتيني الله من النصرة والتأييد. فكأنهم قالوا: ماذا يكون إذا عملنا على قوتنا. فقال: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ} إما استفهامية؛ أي: أيُّنا، أو موصولة أيَّ تَعْرِفون الذي {يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ}؛ أي: يذله ويُهينه أنا أم أنتم {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} في قوله، ومن هو صادق مني ومنكم. وفي "الفتوحات" فـ (من) موصولة في محل نصب؛ أي: سوفَ تعلمون الشقيَ الذي يأتيه عذاب يخزيه، والذي هو كاذب، وهذا أحسن من قول الفراء (من) استفهامية في موضع رفع بالابتداءِ على معنى: أيّنا لا يأتيه العذاب، وأيُّنا هو كاذب، وإنما كان أحسن لأنَّ (من) الثانية موصولة أيضًا، ولا توصل بالاستفهام، وعلم عرفانية، انتهى. وهذا تصريح منه بالوعيد بعد التلميح بالأمر بالعمل المستطاع تعجيزًا لهم. ولما أوعدوه (١)، وكذبوه .. أراد أن يَدفَع ذلك عن نفسه، ويَلْحَقه بهم، فسَلَك سبيل إرخاء العنان لهم وقال: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} من المعذب والكاذب مني ومنكم، وأينا الجاني على نفسه، والمخطىءُ في فعله، يريد أنَّ المعذَّب والكاذبَ أنتم لا أنا. قال الفراء: إنما جاء بهو في {من هو كاذب} لأنهم لا يقولون من قائم إنما يقولون: من قام، ومن يقوم، ومن القائم فزَادوا (هو) ليكونَ جملة تقوم مقام فَعَل ويفعلُ، ذكره الشوكاني.

فائدة: قال الزمخشري (٢): فإن قلت: أي فرق بين إدخال الفاء في سورة الأنعام في قوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وحذفها هنا، حيث قال: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ}.

قلت: إدخال الفاء وَصلٌ ظاهر بحرف موضوع للوصل، وحذفها وصل خفي تقديريٌّ بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر، كأنهم قالوا: فماذا يكون إذَا


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.