للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عباس، والضحاك، وقتادةَ وغيرهم رضي الله عنهم. فعلى (١) هذا القول يكون معنى الآية: فأمّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدينَ فيها ما دامتِ السموات والأرض إلا من شاء ربك أن يخرجهم منها، فيدخلهم الجنةَ فـ (ما) بمعني مَنْ.

وقيل: إلا (٢) ههنا بمعنى سوى كقولك: عليَّ ألف إلا الألفان القديمان، والمعنى حينئذ خالدينَ فيها؛ أي: دائمين في النار، كدوام السموات والأرض، منذ خلقت إلى أن تفنَى سوى ما شاء ربك من الزيادةِ التي لا آخرَ لها على مدة بقاء السموات والأرض.

وحاصلُ هذا القول: أن إلَّا في المعنى، بمعنى حرف العطف، والاستثناء فكأنه قيل: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، وزيادة على هذه المدة لا منتهى لها، اهـ "جمل". وقيل (٣): هو استثناء من قوله: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}. وقيل: (إلا) بمعنى الواو؛ أي: وقد شاء ربك خلودَ هؤلاء في النار، وخلود هؤلاء في الجنة فهو كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ أي: ولا للذين ظلموا. وقيل معناه: ولو شاء ربك لأخرجهم منها، ولكنه لم يشأْ لأنه حَكَم لهم بالخلود فيها، قاله الفراء. فهذه الأقوال في معنى الاستثناء ترجعُ إلى الفريقين، والصحيح هو القول الثاني الذي عليه ابن عباس رضي الله عنه، ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمَّد {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ويشاء من إخراج من أراد من النار، وإدخالِهم الجنة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. ومشيئته تعالى إنما تتعلق بما سبق به علمه، واقتضته حكمتُه، وما كان كذلك لم يكن إخلافًا لشيء مِنْ وعده، ولا من وعيده لخلود أهل النار فيها.

فهذا على الإجمال في الفريقين (٤)، فأما على التفصيل فقوله: إلا ما شاء


(١) الخازن.
(٢) البيضاوي.
(٣) الخازن.
(٤) الخازن.