الكل فيه، ثم هذا ليس بتكرار؛ لأنّ الظلم أعمّ من الصغائر، والكبائر، والفسق لا بد وأن يكون من الكبائر، فالمراد بالظلم ههنا: الكبائر بقرينة الفسق، والمراد بالظلم المتقدم: هو ما كان من الصغائر، وقد أضمر ذلك في الأعراف فقال:{فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ}؛ لأن المضمر هو المظهر. وقال بعضهم: وضع الظاهر موضع المضمر، مبالغة في تقبيح شأنهم {رِجْزًا}؛ أي: طاعونا، وبلاء، وعذابا مقدّرا {مِنَ السَّماءِ} والتنوين فيه للتهويل، والتفخيم، وما في قوله:{بِما} مصدرية {كانُوا يَفْسُقُونَ}؛ أي: بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعتنا. والرجز في الأصل: ما يخاف ويستكره، وكذلك الرجس، والمراد به هنا الطاعون.
روي: أنه مات منهم بالطاعون في ساعة واحدة، أربعة وعشرون ألفا، ودام فيهم حتى بلغ سبعين ألفا. وقال أبو حيان (١): واختلفوا في الرجز هنا، فقال أبو العالية: هو غضب الله تعالى. وقال ابن زيد: طاعون أهلك منهم في ساعة سبعين ألفا. وقال وهب: طاعون عذبوا به أربعين ليلة، ثمّ ماتوا بعد ذلك. وقال ابن جبير: ثلج هلك به منهم سبعون ألفا. وقال ابن عباس: ظلمة وموت، مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفا. وهلك سبعون ألفا عقوبة. والذي يدل عليه القرآن: أنه أنزل عليهم عذاب، ولم يبين نوعه، إذ لا كبير فائدة في تعيين النوع، فنتركه مبهما، وإن كان كثير من المفسرين على أنه الطاعون. وقوله:{مِنَ السَّماءِ} إن فسر الرجز بالثلج، كان كونه من السماء ظاهرا، وإن فسر بغيره، فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء عليهم، أو مبالغة في علوّه بالقهر والاستيلاء. وقال أبو مسلم: هذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله: {عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}. وفائدة التكرار التأكيد؛ لأنّ الوصف دالّ على العلية، فالظاهر أن التبديل سببه الظلم، وأنّ إنزال الرجز سببه الظلم أيضا. وقال غير أبي مسلم: ليس مكرّرا لوجهين: أحدهما: أنّ الظلم قد يكون من الصغائر، كما في قوله:{رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} ومن الكبائر كما في قوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} والفسق لا يكون