للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن قلب الملك ما كان مُتَّهَمًا به من الفاحشة، ولا يُنْظَر إليه بعين مشكوكة، انتهى.

وقال الطَّيبِي: هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التواضع لا أنه كان مستعجلًا في الأمور غير متأن، والتَّواضُعُ لا يصغِّر كبيرًا، ولا يَضعُ رفيعًا، بل يُرحِّب لصاحبه فَضلًا، ويُورِثُه جَلالًا وقدرًا.

{إِنَّ رَبِّي} سبحانه وتعالى، أو إن سيدي (١) ومربي، وهو ذلك الملك، قاله ابن عطية، ورُدَّ عليه. {بِكَيْدِهِنَّ}؛ أي: بمكرهن {عَلِيمٌ} حين، قلنَ لي: أطع مَوْلاَتَكَ. وفيه استشهاد بعلم الله على أنهن كِدْنَه، وأنه بريء من التهمة كأنه قيل: احمله على التعرف، يتبيَّنُ له براءة ساحتي، فإنَّ الله يعلم أنَّ ذلك كان كيدًا منهن. والمعنى: أنه (٢) تعالى هو العالم بخفيات الأمور، وهو الذي صرَف عنِّي كيدهُن، فلم يَمْسَسْنِي منه سوء.

وقد دلَّ هذا التمهل، والتأني من يوسف عليه السلام عن إجابة طلب الملك له حتى تحقق براءته على جملة أمور:

١ - جميلُ صبره، وحُسْنُ أناته، ولا عَجَب، فمِثْلُه ممَّن لقيَ الشدائد جدير به أن يكون صبورًا حليمًا، ولا سيما ممن ورَثَ النبوة كابرًا عن كابر، وقد وَرد في "الصحيحين" مرفوعًا: "ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الدَّاعي"، وفي رواية أحمد: "لو كنت أنا لأسرعت الإجابة، وما ابتغَيْتُ العُذْرَ".

٢ - عِزَّة نفسه وصون كرامته، إذ لم يَرْضَ أن تكون التهمة بالباطل عالقةً به، فطلب إظهار براءته، وعفَّتِه عن أن يَزِنَ بريبة، أو تَحُومَ حول اسمه شائبة السوء.

٣ - أنه عَفَّ عن اتهام النسوة بالسوء، والتصريح بالطعن عليهن، حتى يتحقق الملك بنفسه، حِينَ ما يسألهن عن السبب في تقطيع الأيدي، ويعلمُ ذلك


(١) المراح.
(٢) المراغي.