مأخوذ من الحصة، والمعنى: بانَتْ حصة الحق من حصة الباطل، كما تتميز حصحص الأراضي وغيرها. وقيل بمعنى: ثَبَتَ واستَقَرَّ. وقال الراغب: حَصْحَصَ الحق، وذلك بانكشاف ما يغمِزُه وحص، وحصحص، نحو: كف، وكَفْكَفَ وحصه قَطَعَه إما بالمباشرة، وإما بالحكم، والحصة القطعة من الجملة، وتُسْتَعمل استعمالَ النصيب، اهـ "سمين". {لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}؛ أي: لا ينفذه، ولا يُمضيه، ولا يسدِّده، أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعلَ على الكَيْدِ مبالغةٌ، اهـ "بيضاوي".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة، وضروبًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} لأنه أطْلَقَ الخمر على العنب، باعتبار ما يؤول إليه، كما يطلق الشيء على الشيء، باعتبار ما كان كقوله تعالى:{وءاتُواْ الْيَتامَي}.
ومنها: التعبير بالمضارع في قوله: {إِنِّي أَرَانِي} في الموضعين حكايةً للحال الماضية، وحق العبارة أن يقال: إني رأيتني، وكذا قول الملك:{إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ} فيه حكايةٌ للحال الماضية، وحق العبارة أن يقال: إني رأيتُ.
ومنها: الطّباق بين قوله: {سِمَانٍ}، وقوله:{عِجَافٌ}، وبين قوله:{خُضْرٍ}، وقوله:{يَابِسَاتٍ}.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} فإنَّها من أبلغِ الاستعارة وألْطفها، فإن الأضغاثَ حقيقةُ في المختلط من الحشيش المضموم بعضه إلى بعض، فشبَّه اختِلاطَ الأحلام، وما فيها من المحبوب، والمكروه، والخير، والشر باختلاط الحشيش المجموع من أصناف كثيرةٍ.
ومنها: براعة الاستهلال في قوله: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} حيث قدَّم الثناء قبل السؤال، طَمَعًا في إجابة مطلبه.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} لأن السِّنينَ لا تأكل،