الحمد لله الذي أنزل القرآن موعظة وشفاء لما في الصدور، وجعله منهلًا عذبًا للورود والصدور، جمع فيه علوم الأولين والآخرين، فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، والصلاة والسلام على من أوحي إليه ذلك القرآن، من لوح الوجوب والأمر والشأن، سيدنا محمد الذي أجرى من مسجله ما يحاكي السلسبيل والرحيق، وأفحم ببلاغته كل متكلم منطيق، وفسر الآيات في الأنفس والآفاق على مراد الله الملك الخلاق، وعلى آله وأصحابه المقتبسين من مشكاة أنواره، المغترفين من بحار أسراره، ومن تبعهم بإحسان ممن تخلق بالقرآن في كل زمان.
أما بعد: فيقول العبد المعترف بذنبه وخطأه المنادي لربه في عفوه وعطاه، الراجي في إسبال سجاف الندى عليه، المناجي في إرسال رسول الهدى إليه، حفظه الله سبحانه وأخلاءه، وأعاذه وإياهم من الشيطان الرجيم، وجعل يومه خيرًا من أمسه إلى الإياس من حياة نفسه، سميُّ محمد الأمين الهرري:
إني لما فرغت من تفسير الجزء الثاني عشر من القرآن الكريم .. عزمت - إن شاء الله سبحانه وتعالى - على الشروع في تفسير الجزء الثالث عشر، وإن كان علم التفسير لا يقحم في معاركه كل ذمير وإن كان أسدًا، ولا يحمل لواءه كل أمير وإن مات حسدًا، وذلك أظهر من أن يورد عليه دليل كالنيرين لغير كليل. ومع خطر هذا الأمر، فالأمد قصير وفي العبد تقصير، وكم ترى من نحرير كامل في التحرير والتقرير قد أصابه سهم القضاء قبل بلوغ الأمل، وذلك بحلول ريب المنون والأجل، أو بتطاول يد الزمان، فإن الدنيا لا تصفو لشارب وإن كانت ماء