للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واعلم: أن التمكين الحاصل ليوسف له أسباب ومقدمات مهدت له؛ لأن إخوة يوسف لو لم يحسدوه .. ما ألقوه في غيابة الجبّ، ولو لم يلقوه .. لما وصل إلى عزيز مصر، ولو لم يعتقد العزيز بفراسته وصدقه وأمانته .. لما أمنه على بيته وأهله وماله، ولو لم تراوده امرأة العزيز عن نفسه ويستعصم .. لما ظهرت نزاهته وعرف أمرها، ولو لم تخب في كيدها وكيد صواحباتها .. ما ألقي في السجن لإخفاء هذا الأمر، ولو لم يسجن .. لما عرفه ساقي الملك وعرف علمه وفضله وصدقه في تعبير الرؤيا، ولو لم يعرف ذلك منه الساقي .. ما عرفه الملك ولم يجعله على خزائن الأرض، فما من حلقة من هذه السلسلة إلا كانت متممة لما بعدها، وبإذن الله كانت سببًا للوصول إلى ما يليها، فكلها في بدايتها كانت شرًّا وخسرًا، وفي عاقبتها فوزًا ونصرًا مبينًا، ومهدت للتمكين لدى ملك مصر. فكما مكن (١) له في ذلك مكن له في أرض مصر، وقد جيء به مملوكًا، فأصبح مالكًا ذا نفوذ وأمر ونهي لا ينازعه منازع فيما يراه ويختاره، وصار الملك يصدر عن رأيه، ولا يعترض عليه فيما يرى بما أعده الله تعالى له من تحليته بالصبر واحتمال الشدائد، والأمانة والعفة، وحسن التصرف والتدبير.

روي (٢): أنه لما تمت السنة من يوم سأل يوسف الإمارة .. دعاه الملك، فتوجه وأخرج خاتم الملك، وجعله في أصبعه، وقلده بسيفه، وجعل له سريرًا من ذهب مكلّلًا بالدرّ والياقوت طوله ثلاثون ذراعًا، وعرضه عشرة أذرع عليه ستون فراشًا، وضرب له عليه حلة من استبرق، فقال يوسف عليه السلام: أما السرير فأشد به ملكك، وأما الخاتم فأدبر به أمرك، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي. فقال الملك: قد وضعته إجلالًا لك وإقرارًا بفضلك، وأمره أن يخرج فخرج متوجًا لونه كالثلج، ووجهه كالقمر يرى الناظر وجهه فيه من صفاء لونه، فانطلق حتى جلس على ذلك السرير، ودانت له الملوك، وفوض الملك الأكبر إليه ملكه، وأمر مصر، وعزل قطفير عما كان عليه، وجعل يوسف مكانه،


(١) المراغي.
(٢) المراح.