للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وارجعوا إليها {فَتَحَسَّسُوا}؛ أي: فتعرفوا {مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} بنيامين، وابحثوا فيها من خبرهما بحواسكم من سمع وبصر حتى تكونوا على يقين من أمرهما. فقوله: {اذْهَبُوا} أمر بالذهاب إلى الأرض التي جاؤوا منها وتركوا بها أخويهم بنيامين والمقيم بها. وقوله: {فَتَحَسَّسُوا} أمر بالتحسس وهو الاستقصاء والطلب بالحواس، ويستعمل في الخير والشر. والتحسس - بمهملات - طلب الشيء بالحواس مأخوذ من الحس أو من الإحساس. وقرىء (١) بالجيم كالذي في الحجرات {وَلَا تَجَسَّسُوا} وهو أيضًا التطلب. وفي "الإحياء" بالجيم: في تطلع الأخبار، وبالحاء: في المراقبة بالعين، وقال في "إنسان العيون" أما بالحاء: أن يفحص الشخص عن الأخبار بنفسه، وأما بالجيم: أن يفحص عنها بغيره، وجاء تحسسوا ولا تجسسوا انتهى.

والمعنى: اذهبوا فتعرفوا خبر يوسف وأخيه وتطلبوه، وإنما (٢) خصهما ولم يذكر الثالث، وهو الذي قال: فلن أبرح الأرض واحتبس بمصر؛ لأن غيبته اختيارية لا يعسر إزالتها؛ لأنه إنما أقام مختارًا.

{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}؛ أي: ولا تقنطوا من فرجه سبحانه وتعالى وتنفيسه عن النفس هذا الكرب بما ترتاح إليه الروح، ويطمئن به القلب. وقرأ (٣) الجمهور: {تَيْأَسُوا}، وفرقة: {تَيْأَسُوا}. وقرأ الأعرج: {تَئَسُوا} - بكسر التاء - والقراءتان اللتان عدا قراءة الجمهور شاذتان. واليأس والقنوط: انقطاع الرجاء. و {رَوْحِ اللَّهِ} - بفتح الراء -: رحمته وفرجه وتنفيسه؛ أي: إزالته الكرب عن النفس. قال ابن عطية: وكان معنى هذه القراءة: لا تيأسوا من حي معه روح الله الذي وهبه، فإن من بقي روحه يرجى حضوره، ومن هذا قول الشاعر:

وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع

ومن هذا قول عبيد بن الأبرص:


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.