للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليه السلام لأخوته: {هَلْ عَلِمْتُمْ} والاستفهام فيه للتوبيخ والتقريع، وقيل: {هَلْ} بمعنى قد؛ أي: هل تذكرون {مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ} من إلقائه في الجبّ، وبيعه بثمن بخس، وتفريقه عن أبيه {و} ما فعلتم بـ {أخيه} بنيامين من إدخال الغم عليه بفراق أخيه الشقيق، وما كان يناله من جهتهم من الاحتقار والإهانة حتى كان لا يقدر أن يكلمهم. قال الواحدي: ولم يذكر أباه يعقوب من عظم ما دخل عليه من الغم بفراقه تعظيمًا له، ورفعًا من قدره، وعلمًا بأن ذلك كان بلاءً له من الله عَزَّ وَجَلَّ؛ ليزيد في درجته عنده؛ أي: ما أعظم ما فعلتم بيوسف وأخيه، فهل تبتم عن ذلك بعد علمكم بقبحه؟ فهو سؤال عن الملزوم، والمراد لازمه، وهذا استفهام (١) يفيد تعظيم أمر هذه الواقعة، ومعناه: ما أعظم ما ارتكبتم من أمر يوسف، وما أقبح ما أقدمتم عليه من قطيعة الرحم وتفريقه من أبيه، وهذا كما يقال للمذنب: هل تدري من عصيت، وهل تعرف من خالفت؟ ولم يرد بهذا نفس الاستفهام، ولكنه أراد تفظيع الأمر وتعظيمه. ويجوز أن يكون المعنى: هل علمتم عقبى ما فعلتم بيوسف وأخيه من تسليم الله إياهما من المكروه. {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} ظرف لفعلتم؛ أي: فعلتم وقت جهلكم عقبى فعلكم ليوسف من خلاصه من الجب، وولايته السلطنة، وإنما (٢) كان كلامه هذا شفقة عليهم، وتنصحًا لهم في الدين، وتحريضًا على التوبة، لا معاتبته وتثريبًا إيثارًا لحق الله تعالى على حق نفسه.

روي: أنه لمَّا قرأ كتاب يعقوب بكى وكتب إليه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إلى يعقوب إسرائيل الله من ملك مصر أما بعد: أيها الشيخ فقد بلغني كتابك وقرأته، وأحطت به علمًا، وذكرت فيه آباءك الصالحين، وذكرت أنهم كانوا أصحاب البلايا، فإنهم إن ابتلوا وصبروا ظفروا، فاصبر كما صبروا والسلام. فلما قرأ يعقوب الكتاب قال: والله ما هذا كتاب الملوك، ولكنه كتاب الأنبياء، ولعل صاحب الكتاب هو يوسف.


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.