للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَعْلَمُ} بالوحي {مِنَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى لا بالخطرات من الأوهام {مَا لَا تَعْلَمُونَ} من حياة يوسف وإنزال الفرج، وقد ذكرهم الآن إذ عاد بصيرًا بما كان قد قاله لهم حين ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم. وروي (١) أنه سأل البشير كيف يوسف؟ قال: هو ملك مصر. قال: ما أصنع بالملك؟ قال: على أي دين تركته؟ قال: على دين الإسلام، قال: الآن تمّت النعمة.

نبذة في تعليل شم يعقوب رائحة يوسف (٢)

أثبت العلم حديثًا أن الريح تحمل الغبار وما فيه من قارة إلى أخرى، فتحمله من إفريقية مثلًا إلى أوروبا، وهي مسافة أبعد مما بين مصر وأرض كنعان من بلاد الشام، وهي بلا شك تحمل رائحة ماله منها رائحة، ولكن الغريب شم البشر لها من المسافات البعيدة، والإنسان إذا قيس بغيره من الوحوش والحشرات كان أضعف منهما شمًّا. فالكلب ذو حاسة قوية في الشم حتى ليدربه الآن رجال الشرطة، ويستخدمونه في حوادث الإجرام من قتل وسرقة، لإثبات التهمة على المجرمين، فيأتون بالكلب المعلم، فيشم المجرم ويخرجه من بين أشخاص كثيرين، ويرى ذلك رجال القانون دليلًا قويًّا على إثبات الجريمة على من يرشد إليه، بل دليلًا قاطعًا في بعض الدول.

والروائح منها القوي والضعيف، ومن أضعفها رائحة جسم الإنسان وعرقه وما يصيب ثوبه منها، ولكن ما نحن فيه من خوارق العادات ومن خواص عالم الغيب، لا من السنن العادية والحوادث التي تتكرر من البشر. وقد دلت الآية على أن يعقوب عليه السلام أخبر أنه وجد رائحة يوسف لما فصلت العير من أرض مصر، فعلينا أن نؤمن به؛ لأنه معصوم من الكذب، وقد تبين صدقه بعد. وليس بالواجب علينا أن نعرف كنهه، أو نصل إلى معرفة سببه، ولكن إذا نحن قلنا: إنه لشدة تفكره في أمر ولده، وتذكره لرائحته حين كان يضمه ويشمه شعر


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.