السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: يا خالق السموات والأرض وموجدهما ومبدعهما على غير مثال سبق، وأصل الفطر: الشق، يقال: فطر ناب البعير، إذا شق وظهر، وفطر الله الخلق أوجده وأبدعه كما سيأتي في مبحث التصريف. {أَنْتَ وَلِيِّي}؛ أي: أنت متولي أموري ومصلح جميع مهماتي، أو ناصري على من عاداني وأرادني بسوء، أو أنت سيدي وأنا عبدك، وإن نعمك لتغمرني وتشملني {في الدنيا} سأتمتع بها بفضلك ورحمتك في {الآخرة} ولا حول لي في شيءٍ منهما ولا قوة {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا}؛ أي: توفني على الإسلام لا يفارقني حتى أموت، واقبضني إليك مسلمًا؛ لأنه من إتمام النعمة، وأتم لي وصية آبائي وأجدادي {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)}. واختلف العلماء (١): هل هو طلب الوفاة في الحال، أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه سأل الله الوفاة في الحال. قال قتادة: لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف. قال أصحاب هذا القول: إنه لم يأت عليه أسبوع بعد هذا الدعاء حتى توفاه الله.
والقول الثاني: - وعليه الجماهير -: أنه سأل الوفاة على الإسلام، ولم يتمن الموت في الحال. قال الحسن: إنه عاش بعد هذه الدعوة سنين كثيرة. وعلى هذا القول يكون معنى الآية: توفني إذا توفيتني على الإسلام، فهو طلب لأن يجعل الله وفاته على الإسلام، وليس في اللفظ ما يدل على أنه طلب الوفاة في الحال. قال بعض العلماء: وكلا القولين محتمل؛ لأن اللفظ صالح للأمرين، ولا يبعد من الرجل العاقل الكامل أن يتمنى الموت لعلمه أن الدنيا ولذاتها فانية زائلة سريعة الذهاب، وأن نعيم الآخرة باق دائم لا نفاد له ولا زوال. {وَأَلْحِقْنِي} يا رب {بِالصَّالِحِينَ}؛ أي: بآبائي المرسلين إبراهيم وإسحاق ويعقوب ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك في النعمة والكرامة، فأظفر بثوابهم منك ودرجاتهم عندك، وهذا الدعاء بمعنى ما جاء في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ