إياها إلزاما لا يبرح {وَالْمَسْكَنَةُ}؛ أي: الفقر والفاقة، وسمي الفقير مسكينا؛ لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة؛ أي: جعلتا محيطتين بهم إحاطة القبة بمن ضربت عليه، أو ألصقتا بهم وجعلتا ضربة لازب لا تنفكان عنهم مجازاة لهم على كفرانهم، كما يضرب الطين على الحائط، فهو استعارة بالكناية، فترى اليهود وإن كانوا مياسير، كأنهم فقراء إما على الحقيقة، أو على التكلف مخافة أن تضاعف عليهم الجزية. والمضروب عليهم الذلة والمسكنة اليهود المعاصرون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاله الجمهور، أو الذين كفروا بآيات الله وقتلوا الأنبياء بغير حق، أو القائلون {ادْعُ لَنا رَبَّكَ} ومن تابعهم من أبنائهم أقوال ثلاثة. ذكره في «البحر».
{وَباؤُ}؛ أي: رجعوا {بِغَضَبٍ} وسخط عظيم كائن {مِنَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: استحقّوا الغضب واللعنة من الله تعالى بسبب طغيانهم، وكفرهم نعمة الله تعالى. وفي وصف الغضب بكونه من الله تعظيم للغضب، وتفخيم لشأنه {ذلِكَ} المذكور من ضرب الذلة والمسكنة عليهم، ورجوعهم بغضب من الله، وهو مبتدأ خبره الجار والمجرور في قوله:{بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ}؛ أي: بسبب أن اليهود كانوا يجحدون على الاستمرار بآيات الله الباهرة؛ التي هي المعجزات الساطعة الظاهرة على يدي موسى عليه السلام؛ التي من جملتها ما عدّ عليهم من فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من الحجر، وما لم يعدّ، كاليد، والعصا، والضفادع، والقمّل، والجراد، أو بسبب أنهم يجحدون بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وينكرون صفته في التوراة، والإنجيل، وبالقرآن، وآية الرجم التي في التوراة والإنجيل {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} عندهم؛ أي: وبسبب قتلهم الأنبياء ظلما حتى عندهم، كشعياء، وزكريا، ويحيى، وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام. وفائدة (١) التقييد مع أن قتل الأنبياء يستحيل: أن يكون بحق الإيذان بأن ذلك عندهم أيضا بغير الحق، إذ لم يكن أحد معتقدا بحقية قتل أحدهم عليهم السلام، فإن قيل: كيف جاز أن يخلى بين الكافرين وقتل الأنبياء؟ قيل: ذلك كرامة لهم وزيادة في منازلهم، كمثل من يقتل في سبيل الله من