للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأنزلنا عليهم الكتب بلغة أممهم، أو مثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الديانات المجمع عليها {أَنْزَلْنَاهُ}؛ أي: أنزلنا عليك القرآن حالة كونه {حُكْمًا}؛ أي: حاكمًا يحكم في كل شيء يحتاج إليه العباد على مقتضى الحكمة والصواب، فالحكم مصدر بمعنى الحاكم، ولما (١) كان جميع التكاليف الشرعية مستنبطًا من القرآن كان سببًا للحكم، فأسند إليه الحكم إسنادًا مجازيًّا، ثم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة، وقيل معنى: {حُكْمًا}؛ أي: محكمًا لا يقبل النسخ والتغيير {عَرَبِيًّا}؛ أي: مترجمًا بلسان العرب؛ أي: بلسانك ولسان قومك، ليسهل عليهم فهم معناه، وحفظه على ظهر القلب. وانتصاب (٢) {حُكْمًا} على أنه حال موطئة، و {عَرَبِيًّا} صفته، والحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هي الحال، فكأن الاسم الجامد وطأ الطريق لما هو حال في الحقيقة؛ لمجيئه قبلها موصوفًا بها.

وروي أنه لما كان المشركون يدعونه - صلى الله عليه وسلم - إلى اتباع ملة آبائهم المشركين، وكان اليهود يدعونه إلى الصلاة إلى قبلتهم؛ أي: بيت المقدس بعد ما حول عنها .. نزل قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي لئن اتبعت يا محمَّد أهواء هؤلاء الأحزاب من اليهود والمشركين التي يدعونك إليها لتقرير دينهم ابتغاء مرضاتهم، كالتوجه إلى قبلتهم وعدم مخالفتهم في شيء مما يعتقدونه جعل ما يدعونه إليه من الدين الباطل، والطريق الزائغ هوى، وهو ما يميل إليه الطبع وتهواه النفس بمجرد والاشتهاء من غير سند مقبول ودليل معقول؛ لكونه هوى محضًا. {بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} الذي علمه الله إياه والدين المعلوم صحته بالبراهين {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ}؛ أي: من عذابه {مِنْ وَلِيٍّ} يلي أمرك وينصرك {وَلَا} من {وَاقٍ} يفيك ويحفظك من عذابه، والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعريضًا لأمته.

والمعنى (٣): أي ليس لك من دون الله ولي ولا ناصر ينصرك، فينقذك منه إن هو أراد عقابك، ولا واق يقيك عذابه إن شاء عذابك، فاحذر أن تتبع أهوائهم


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.