الوجه الثالث: أن إبراهيم عليه السلام سأل ربه أيضًا أن يُجنب بنيه عبادة الأصنام، وقد وجد كثير من بنيه عبد الأصنام مثل كفار قريش، وغيرهم ممن ينسب إلى إبراهيم عليه السلام.
وقد يجاب عنها بوجوه كثيرة، فالجواب عن الوجه الأول من وجهين:
أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام لما فرع من بناء الكعبة دعا بهذا الدعاء، والمراد منه جعل مكة آمنة من الخراب، وهذا موجود بحمد الله تعالى، ولم يقدر أحد على خراب مكة، وأورد على هذا ما ورد في "الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة". أخرجاه في "الصحيحين". وأجيب عنه بأن قوله:{اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، يعني: إلى قرب القيامة وخراب الدنيا. وقيل: هو عام مخصوص بقصة ذي السويقتين، فلا تعارض بين النصين.
الوجه الثاني: أن يكون المراد: اجعل أهل هذا البلد آمنين، وعلى هذا الوجه أكثر العلماء من المفسرين وغيرهم، وعلى هذا فقد اختص أهل مكة بزيادة الأمن في بلدهم كما أخبر الله سبحانه وتعالى بقوله:{وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وأهل مكة آمنون من ذلك حتى إن من التجأ إلى مكة .. أمن على نفسه وماله من ذلك، وحتى أن الوحوش إذا كانت خارجة من الحرم استوحشت، فإذا دخلت الحرم .. أمنت واستأنست لعلمها أنه لا يهيجها أحد في الحرم، وهذا القدر من الأمن حاصل بحمد الله بمكة وحرمها.
وأما الجواب عن الوجه الثاني فمن وجوه أيضًا:
الوجه الأول: أن دعاء إبراهيم عليه السلام لنفسه لزيادة العصمة، والتثبيت، فهو كقوله:{وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}.
والوجه الثاني: أن إبراهيم عليه السلام وإن كان يعلم أن الله سبحانه وتعالى يعصمه من عبادة الأصنام إلا أنه دعا بهذا الدعاء هضمًا للنفس، وإظهارًا للعجز والحاجة والفاقة إلى فضل الله تعالى ورحمته، وأن أحدًا لا يقدر على نفع نفسه