للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي مثل ذلك المسلك الذي سلكناه في قلوب أولئك المستهزئين برسلهم، وبما جاؤوا به من الكتب، نسلك الاستهزاء في قلوب المجرمين من أهل مكة وغيرهم، حالة كونهم مكذبين بالذكر، غير مؤمنين به، لأنهم كانوا يعتقدون أنه من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - لا من عند الله تعالى.

وقال ابن عطية (٢): الضمير في {نَسْلُكُهُ} عائد على الاستهزاء والشرك ونحوه، وهو قول الحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد، ويكون الضمير في: {بِهِ} يعود أيضًا على ذلك الاستهزاء نفسه، وتكون {الباء} سببية؛ أي: لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم، ويكون قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} في موضع الحال، ويحتمل أن يكون الضمير في: {نَسْلُكُهُ} عائدًا على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر، وهو القرآن؛ أي: نسلكه في قلوب المجرمين مكذبًا به مستهزءًا، ويكون الضمير في: {بِهِ} عائدًا عليه أيضًا، ويحتمل أن يكون الضمير في: {نَسْلُكُهُ} عائدًا على الاستهزاء والشرك، والضمير في: {بِهِ} يعود على القرآن، فيختلف على هذا عود الضميرين. انتهى.

والمعنى: أي (٣) كذلك نلقيه في قلوب المجرمين مستهزءًا به غير مقبول لديهم؛ لأنه ليس في نفوسهم استعداد لتلقي الحق، ولا تضيء نفوسهم بمصابيح هدايته الربانية، كما كانت حال الأمم الماضية حين ألقيت عليهم الكتب المنزلة من الملأ الأعلى.

{وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}؛ أي: قد مضت طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم، حين فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاء؛ أي: وقد جرت سنة الله في الأولين ممن بعث إليهم الرسل أن يخذلهم، ويدخل الكفر والاستهزاء في قلوبهم، ثم يهلكهم، وتكون العاقبة للمتقين، والنصر حليف رسله والمؤمنين، ذلك أسوة بالرسل قبلك مع أممهم المكذبة، ولست بأوحدي في ذلك.

والخلاصة (٤): هكذا نفعل باللاحقين كما فعلنا بالسابقين، ويستهزىء بك


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.