للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حرمنا من البحائر والسوائب والوصائل ونحو ذلك إلا لأنه قد رضي ذلك منا، ولو كان كارهًا لما فعلنا .. لهدانا إلى سواء السبيل، أو لعجل لنا العقوبة وما مكننا من عبادتها.

والخلاصة (١): فإشراكنا بالله الأوثان وتحريمنا الأنعام والحرث بمشيئته تعالى، وهو راضٍ بذلك، وحينئذٍ فلا فائدة في مجيئك إلينا، بالأمر والنهي في إرسالك إلينا، وقد رد الله تعالى عليهم شبهتهم بقوله: {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك الفعل الشنيع {فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم، فأشركوا بالله، وحرموا حله، وعصوا رسله، وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ، وهدوهم إلى الحق.

واستن هؤلاء سنتهم، وسلكوا سبيلهم في تكذيب الرسول، واتباع أفعال آبائهم الضلال.

ثم بين خطاهم فيما يقولون ويفعلون فقال: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؛ أي: فهل (٢) على الرسل الذين أمروا بتبليغ رسالات ربهم، من أمره ونهيه، إلا إبلاغ الرسالة، وإيضاح طريق الحق، وإظهار أحكام الوحي، التي منها أن مشيئة الله تعالى تتعلق بهداية من وجه همته إلى تحصيل الحق، كما قال {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وليس من وظيفتهم إلجاء الناس إلى الإيمان شاؤوا أو أبوا، فإن ذلك ليس من شأنهم، ولا من الحكمة التي عليها مدار التكليف، حتى يستدل بعدم ظهور آثارها على عدم حقية الرسل أو على عدم تعلق مشيئة الله بذلك.

والاستفهام في قوله: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ} إنكاري؛ أي: ليست (٣) وظيفتهم إلا تبليغ الرسالة تبليغًا واضحًا، وإطلاع الخلق على بطلان الشرك وقبحه، لا إلجاءهم إلى قبول الحق، وتنفيذ قولهم عليهم شاؤوا أو أبوا.

وقصارى ذلك (٤): أن الثواب والعقاب لا بُدَّ فيهما من أمرين، تعلق مشيئته


(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.