للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويروا {إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ} تعالى {مِنْ شَيْءٍ} بيان لـ {ما} الموصولة؛ أي: من كل شيء له ظل، {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ}؛ أي: يتقلص ويتحول وينتقل ظلاله شيئًا فشيئًا من جانب إلى جانب، وتدور من موضع إلى موضع، حسبما تقتضيه إرادة الخالق، وقوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} متعلق بـ {يَتَفَيَؤُأ}؛ أي: عن جهة أيمانها وشمائلها؛ أي: عن (١) جانبي كل واحد منها، أو عن يمين الفلك وهو جهة المشرق، وعن شمائل الفلك وهي جهات المغرب، وأفرد اليمين باعتبار لفظ ما، وجمع الشمائل باعتبار معناها، وقيل إنما (٢) وحد اليمين وجع الشمائل لأن مذهب العرب إذا اجتمعت علامتان في شيء واحد أن يلغى واحد ويكتفى بأحدهما، كقوله تعالى: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ}، وقوله تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} كذا في الأسئلة المقحمة.

والحاصل: أن الهمزة في: {أَوَلَمْ يَرَوْا} للإنكار، كما مرَّ آنفًا، وهي داخلة في الحقيقة على النفي، وإنكار النفي نفيٌ له، ونفي النفي إثبات.

والمعنى: قد رأى هؤلاء الذين مكروا السيئات من أهل مكة أمثال هذه الصنائع، فما لهم لم يتفكروا فيه، ليظهر لهم كمال قدرته تعالى وقهره، فيخافوا منه حالة كون تلك الظلال {سُجَّدًا لِلَّهِ}؛ أي: ساجدين لله، دائرين على مراد الله تعالى في الامتداد والتقلص وغيرهما، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيُّؤ، وقوله: {وَهُمْ دَاخِرُونَ} حال من الضمير المستتر في {سُجَّدًا}، فهي حال متداخلة؛ أي: خاضعون صاغرون من الدخور وهو الصغار والذل؛ أي: والحال أن أصحابها من الأجرام داخرة؛ أي: صاغرة منقادة لحكمه تعالى، ووصفها بالدخور مغن عن وصف ظلالها به؛ أي: ألم ينظر (٣) أهل مكة ولم يروا بأبصارهم إلى جسم قائم له ظل من جبل وشجر وبناء يرجع ظلاله من المشرق ومن المغرب واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد، وهم داخرون؛ أي: منقادون لقدرة الله تعالى وتدبيره، ولما وصفت الظلال بالانقياد لأمره


(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.