للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المالية وغيرها، وكل واحدة من هذه جنس تحته أنواع لا حصر لها، والكل من الله سبحانه، فعلى العاقل أن لا يشكر إلا إياه.

ثم بين تلون الإنسان بعد استغراقه في بحر النعم فقال: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ}؛ أي: الفقر والبلاء في جسدكم والقحط ونحوها مساسًا يسيرًا، {فَإِلَيْهِ}؛ أي: فإلى الله لا إلى غيره {تَجْأَرُونَ}؛ أي: تتضرعون في كشفه، فلا كاشف له إلا هو، والجؤار (١): رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة، {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ} الله تعالى {الضُّرَّ} الذي نزل بكم وأزاله {عَنْكُمْ}؛ أي: إذا رفع عنكم ما نزل بكم من الضر، {إِذَا فَرِيقٌ}؛ أي: جماعة {مِنْكُمْ} وهم كفاركم {بِرَبِّهِمْ} الذي كشف عنهم الضر {يُشْرِكُونَ} فيجعلون معه إلهًا آخر من صنم أو نحوه، والآية مسوقة للتعجيب من فعل هؤلاء، حيث يضعون الإشراك باللهِ الذي أنعم عليهم بكشف ما نزل بهم من الضر مكان الشكر له، و {اللام} في قوله: {لِيَكْفُرُوا} بعبادة غيره {بِمَا آتَيْنَاهُمْ}؛ أي: بما أعطيناهم من نعمة كشف الضر عنهم {لام} كي؛ أي: لكي يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر، حتى (٢) كأنَّ هذا الكفران منهم الواقع في موضع الشكر الواجب عليهم غرضٌ لهم، ومقصد من مقاصدهم، وهذا غاية في العتو والعناد ليس وراءها غاية، ففي {اللام} استعارة تبعية كما سيأتي، وقوله: {لِيَكْفُرُوا} من الكفران، وقيل: {اللام} للعاقبة، يعني: ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا هذا الكفران.

ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والترهيب ملتفتًا من الغيبة إلى الخطاب: {فَتَمَتَّعُوا} بما أنتم فيه من ذلك بقية آجالكم؛ أي: فعيشوا وانتفعوا بمتاع الحياة الدنيا أيامًا قليلةً، وهو أمر تهديد {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة أمركم، وما يحل بكم في هذه الدار، وما تصيرون إليه في الدار الآخرة.

وحاصل معنى الآيات (٣): أي {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ} في أبدانكم من عافيةٍ


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.