للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتعالى، أي: يجعل هؤلاء المشركون لله تعالى وينسبون إليه سبحانه {مَا يَكْرَهُونَ} لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة، {و} مع ذلك {تصف}؛ أي: تقول {أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ} مفعول تصف، وهو أي ذلك الكذب: {أَنَّ لَهُمُ} عند الله تعالى {الْحُسْنَى}؛ أي: العاقبة الحسنى، وهي الجنة على تقدير وجودها إن كان البعث حقًّا، كقوله تعالى: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}، فلا ينافي قولهم: لا يبعث الله من يموت، فإنه يكفي في صحته الفرض والتقدير، وجملة أنَّ مع معموليها بدل كل من {الْكَذِبَ}.

والمعنى: ويكذبون (١) فيما يدعون، إذ يزعمون أن لهم العاقبة الحسنى عند الله، وهي الجنة على تقدير وجودها، فقد روي أنهم قالوا إن كان محمدٌ صادقًا في البعث .. فلنا الجنة بما نحن عليه، فرد الله عليهم مقالهم بقوله: {لَا جَرَمَ}؛ أي: حق وثبت {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}؛ أي: كون عذاب النار لهم بدل ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى، {و} لا جرم {أنهم مفرطون}؛ أي: مقدمون إلى النار معجلون إليها، أو متروكون منسيون فيها. وقرأ (٢) الحسن ومجاهد: {باختلاف ألسنتْهم} بإسكان التاء، وهي لغة تميم، جمع لسانًا المذكر، نحو حمار وأحمرة، وفي التأنيث ألسن كذراع وأذرع، وقرأ معاذ بن جبل وبعض أهل الشام: {الكذب} بضم الكاف والذال والباء صفة للألسن، جمع كذوب كصبور وصبر، وهو مقيس، أو جمع كاذب كشارفٍ وشرفٍ، ولا ينقاس وعلى هذه القراءة {أنَّ لهم} مفعول تصف، وقر الحسن وعيسى بن عمر: {إنَّ لهم} بكسر الهمزة، وإنَّ جواب قسم أغنت عنه لا جرم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وأبو رجاء وشيبة ونافع وأكثر أهل المدينة: {مُفْرِطُونَ} بكسر الراء، من أفرط حقيقةً؛ أي: متجاوزين الحد في معاصي الله، وباقي السبعة والحسن والأعرج وأصحاب ابن عباس ونافع في رواية: بفتح الراء، من أفرطته إلى كذا قدمته، معدى بالهمزة، من فرط إلى كذا تقدم إليه، وقرأ أبو جعفر: {مفرَّطون} مشدد من


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.