للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأنهار، وأوعد الكافرين بنار تلظى جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الإشراك بربهم، ونسبة البنات إليه، وافترائهم عليه ما لم ينزّل به سلطانًا .. عاد إلى ذكر دلائل التوحيد من قبل أنه قطب الرحى في الدين الإِسلامي، وفي كل دين سماوي؛ ويليه إثبات النبوّات والبعث والجزاء، فبين أنه أنزل المطر من السماء لتحيا به الأرض بعد موتها، وثنى بإخراج اللبن عن الأنعام، وثلث باتخاذ الخمر لخلٍّ، والدبس من الأعناب والنخيل، وربع بإخراج العسل من النحل وفيه شفاء للناس، وقد بين ذلك كيف ألهم النحل بناء البيوت والبحث عن أرزاقها من كل فجٍّ.

وقال ابن عطية: مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما أمره بتبيين (١) ما اختلف فيه .. قص العبر المؤدية إلى بيان أمر الربوبية، فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر، وهي ملاك الحياة، وهي في غاية الظهور، ولا يختلف فيها عاقل انتهى.

وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) إنزال الكتاب للتبيين كان القرآن حياة الأرواح وشفاء لما في الصدور من علل العقائد، ولذلك ختم بقوله: {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}؛ أي: يصدقون، والتصديق محله القلب، فكذا إنزال المطر الذي هو حياة الأجسام وسببٌ لبقائها، ثم أشار بإحياء الأرض بعد موتها إلى إحياء القلوب بالقرآن كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} فكما تصير الأرض خضرة بالنبات نضرة بعد همودها، كذلك القلب يحيا بالقرآن بعد أن كان ميتًا بالجهل، وكذلك ختم بقوله: {يَسْمَعُونَ} هذا التشبيه المشار إليه والمعنى سماع إنصاف وتدبر، ولملاحظة هذا المعنى والله أعلم لم يختم بقوم يبصرون وإن كان إنزال المطر مما يبصر ويشاهد.

ولمَّا ذكر إحياء الأرض بعد موتها .. ذكر ما ينشأ عن المطر، وهو حياة الأنعام التي هي مألوف العرب بما يتناوله من النبات الناشىء عن المطر، ونبَّه على العبرة العظيمة، وهو خروج البن من بين فرث ودم.


(١) ابن عطية.
(٢) البحر المحيط.