للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأوثان والأصنام، فضرب لذلك مثلين يؤكد بهما إبطال عبادتها:

أوَّلهما: العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والحر الكريم الغني الكثير الإنفاق سرًّا وجهرًا، ولفت النظر إلى أنهما هل يكونان في نظر العقل سواء مع تساويهما في الخلق والصورة البشرية، وإذا امتنع ذلك فكيف ينبغي أن يسوى بين القادر على الرزق والإفضال والأصنام التي لا تملك ولا تقدر على النفع والضر.

والثاني: مثل رجلين أحدهما: أبكم عاجز لا يقدر على تحصيل خير وهو عبءٌ ثقيلٌ على سيده، وثانيهما: حول قلب ناطق كامل القدرة، أيستويان لدى أرباب الفكر أو استوائهما في البشرية، وإذًا فكيف يدور بخلد عاقل مساواة الجماد برب العالمين في الألوهية والعبادة.

وقال أبو حيان: مناسبة ضرب هذا المثل (١): أنه لما بين تعالى ضلالهم في إشراكهم بالله تعالى غيره، وهو لا يجلب نفعًا ولا ضرًّا لنفسه ولا لعابده .. ضرب لهم مثلًا قصة عبدٍ في ملك غيره عاجز عن التصرف، وحر غني متصرف فيما آتاه الله، فإذا كان هذان لا يستويان عندكم، مع كونهما من جنس واحد ومشتركين في الإنسانية، فكيف تشركون بالله وتسوون به من هو مخلوق له مقهور بقدرته من آدمي وغيره، مع تباين الأوصاف، وأن موجد الوجود لا يمكن أن يشبهه شيء من خلقه، ولا يمكن لعاقل أن يشبِّه به غيره.

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله (٢) سبحانه وتعالى لمَّا مثل نفسه عَزَّ وَجَلَّ بمن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، ومستحيل أن يكون كذلك إلَّا إذا كان كامل العلم والقدرة .. أردف ذلك بما يدل على كمال علمه، فأبان أن العلم بغيوب السموات والأرض ليس إلا له، وبما يدل على كمال قدرته، فذكر أن قيام الساعة في السرعة كلمح البصر أو أقرب، ثم عاد إلى ذكر الدلائل على توحيده، وأنه الفاعل المختار، فذكر منها خلق الإنسان في أطواره المختلفة، ثم الطير المسخّر بين


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.