للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال في "عجائب المخلوقات": يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة، وفيه أوحى ربك إلى النحل صنعة العسل، قال في "حياة الحيوان": يحرم أكل النحل، وإن كان العسل حلالًا، كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام، ويكره قتلها، وأما بيعها في الكوارة فصحيح إن يشاهد جميعها، وإلا فهو بيع غائب، فإن باعها وهي ظاهرة ففي "التتمة": يصح؛ وفي "التهذيب" عكسه، وقال أبو حنيفة: لا يصح بيع النحل كالزنبور وسائر الحشرات، ويجوز بيع دود القزِّ من الذي يصنع به، وفي الحديث: "أول نعمة ترفع من الأرض العسل".

قال القشيري (١) - رحمه الله -: إنَّ الله تعالى أجرى سنته بأن يخفي كل عزيز في شيء حقير، جعل الإبريسم في الدود، وهو أصغر الحيوانات وأضعفها، والعسل في النحل وهو أضعف الطيور، وجعل الدر في الصدف وهو أوحش حيوان من حيوانات البحر، وأودع الذهب والفضة والفيروزج في الحجر، وكذلك أودع المعرفة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفيهم من يخطيء، وفيهم من يعصي، ومنهم من يعرف، ومنهم من يجهل أمره اهـ.

وإنما (٢) خص سبحانه وتعالى النحل بالوحي، وهو الإلهام والرشد من بين سائر الحيوانات، لأنها أشبه شيء بالإنسان، لا سيما بأهل الخلوة والاعتزال، فإن من دأبهم وهجيراهم أن يتخذوا من الجبال بيوتًا اعتزالًا عن الخلق وتبتلًا إلى الله تعالى، كما كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، كذلك حيث كان يتحنث إلى حراء أسبوعًا وأسبوعين وشهرًا، وإن من شأنهم النظافة في الموضع والملبوس والمأكول، كذلك النحل من نظافتها تضع ما في بطنها على الحجر الصافي، أو على خشب نظيف، لئلا يخالطه طين أو تراب، ولا تقعد على جيفة ولا على نجاسة، احترازًا عن التلوث، كما يحترز الإنسان عنه، وثمرات البدن الأعمال الصالحة، وثمرات النفوس الرياضات والمجاهدات ومخالفة الهوى، وثمرات


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.