للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هنا علم قيام الساعة، ووجه (١) ارتباط هذه الآية بما قبلها: أنه تعالى مثل بالذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، ومعلوم أن أحدًا لا يكون كذلك إلا إذا كان كاملًا في العلم والقدرة، فبين بقوله: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} كونه كاملًا في العلم، وبين كمال قدرته بقوله: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ}؛ أي: وما أمر قيام الساعة وشأنه في سرعته وسهولته، والساعة؛ أي: القيامة هي (٢) إماتة الأحياء، فيكون بالنفخة الأولى، وإحياء الأموات من الأولين والآخرين، وتبديل صور الأكوان أجمعين يكون بالنفخة الثانية، وقيل: الساعة (٣) هي الوقت الذي يقوم الناس فيه لموقف الحساب، سمي بها لأنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم؛ أي: وما شأن قيام القيامة التي هي من الغيوب في سرعة المجيء {إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ}؛ أي: إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها، {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}؛ أي: بل أرض قيام الساعة أقرب من طرف العين في السرعة، بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة، بل في الآن الذي تبتدأ فيه الحركة، يعني أن لمح البصر يحتاج إلى زمان وحركة، والله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، في أسرع من لمح البصر، وهو قوله: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} أراده {قَدِيرٌ}؛ أي: قادر، فهو يقدر على أن يقيم الساعة ويبعث الخلق، لأنه بعض المقدورات.

وحاصل معنى الآية: أي ولله سبحانه علم ما غاب عن أبصاركم في السموات والأرض، مما لا اطلاع لأحد عليه إلا أن يطلعه الله، والمراد به جميع الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين، التي لا سبيل إلى إدركها حسًّا ولا إلى فهمها عقلًا {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ}؛ أي: وما شأنها في سرعة المجيء إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها، أو هو أقرب من هذا وأسرع، لأنه إنما يكون بقول كن، ونحو الآية قوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) أي: فيكون ما يريد كطرف العين.


(١) زاده.
(٢) أبو السعود.
(٣) الخازن.