والمعنى: إن يبلغ أحد الوالدين أو كلاهما سن الكبر والشيخوخة، والعجز، والضعف، والحال أنّهما عندك في منزلك، وكفالتك؛ أي: والحال أنهما في حال يلزمك فيه القيام بأمرهما في المعيشة، ككبر سنهما، وعجزهما عن الكسب، وغير ذلك {فَلا تَقُلْ} أيها الولد لأحدهما، أو {لَهُما}؛ أي للوالدين كلامًا رديئًا، وقولًا خشنًا كقولك لهما {أُفٍّ}؛ أي: أنا أتضجر من شيء يصدر منكما، كظهور رائحة تؤذيك منهما، بل أكرمهما واخدمهما كما خدماك في مثل هذه الحالة؛ أي: لا تقل لهما كلاما رديئا إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك كما أنهما لا يستقذران منك حين كنت تخرأ أو تبول، والتقييد بحالة الكبر، خرج مخرج الغالب؛ لأن الولد غالبا إنما يتهاون بوالديه عند حصول الكبر لهما كما مر، والأصح أنّ أُفٍّ اسم فعل مضارع مدلوله لفظ الفعل؛ أي: لا تقل: أنا أتضجّر من شيء يصدر منكما، وقال مجاهد: إنّ معناه إذا رأيت منهما في حال الكبر، الغائط، أو البول اللذين رأيا منك في حال الصغر، فلا تقذرهما، وتقول: أف، انتهى. والآية أعمّ من ذلك، وقرأ الجمهور (١){يَبْلُغَنَّ} بنون التوكيد الشديدة، والفعل مسند إلى {أَحَدُهُما} وروي عن ابن ذكوان بالنون الخفيفة، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي {إما يبلغان} بألف التثنية، ونون التوكيد الثقيلة، وهي قراءة السلمي، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، والجحدري، فقيل: الألف علامة تثنية، لا ضمير على لغة أكلوني البراغيث، وقيل: الألف ضمير الوالدين، و {أَحَدُهُما} بدل من الضمير، و {كِلاهُما} عطف على {أَحَدُهُما}، والمعطوف على البدل بدل.
وقرأ الحسن، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وعيسى، ونافع، وحفص، {أُفٍّ} بالكسر والتشديد، مع التنوين، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر كذلك بغير تنوين، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، بفتح الفاء مشددة من غير تنوين، وحكى هارون قراءة بالرفع والتنوين، وقرأ أبو السمال {أف} بضم الفاء من غير تنوين، وقرأ زيد بن علي {أفًا} بالنصب والتشديد والتنوين، وقرأ ابن