للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَإِذَا خَلَا} أي: إذا مضى وذهب ورجع {بَعْضُهُمْ} الذين نافقوا؛ أي: إذا فرغوا من الاشتغال بالمؤمنين، ورجعوا من عندهم متوجِّهين ومنضمِّين {إِلَى بَعْضٍ} أي: إلى رؤسائهم الذين لم ينافقوا، بحيث لم يبق معهم غيرهم؛ أي: رجع (١) هؤلاء المنافقون من عند المؤمنين إلى رؤسائهم الذين لم ينافقوا، ولم يؤمنوا ظاهرًا، ككعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، وغيرهما.

{قَالُوا} أي: قال الرؤساء للمنافقين الذين جاءوا من عند المؤمنين موبِّخين، وعاتبين لهم على ما صنعوا {أَتُحَدِّثُونَهُمْ} أي: أتحدّثون أيّها المنافقون، وتخبرون لأصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، والهمزة للاستفهام الإنكاري المضمَّن للنهي؛ أي: لا تحدِّثوهم، يعني: المؤمنين. {بِمَا فَتَحَ الله} سبحانه وتعالى، وبيَّنه لكم في التوراة خاصّةً، من نعت النبيِّ المَبشَّر به في التوراة، والتعبير عنه بالفتح؛ للإيذان بأنَّه سرّ مكنون، وبابٌ مُغْلَقٌ لا يقف عليه أحدٌ، والسلام في قوله: {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ} متعلقة بالتحديث (٢)، لا بالفتح كما توهَّمه بعضهم، والضمير في به، لما فتح الله؛ أي: ليجادلوكم ويخاصموكم بما أخبرتموهم، بما فتح الله عليكم، ويحتجُّوا عليكم به، ويبكتوكم {عِنْدَ رَبِّكُمْ} في الآخرة، أو في حكمه وكتابه، كما يقال: هو عند الله كذا؛ أي: في كتابه وشرعه، والمحدِّثون به، وإن لم يحوموا حول ذلك الغرض، وهو المحاجَّة، لكن فعلهم ذلك لمَّا كان مستتبعًا له ألبتة، جُعلوا فاعلين للغرض المذكور إظهارًا لكمال سخافة عقلهم وركاكة آرائهم؛ أي (٣): أتحدِّثون أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بما فتح الله عليكم في التوراة.

وبيَّنه لكم، ليخاصموكم ويحتجّوا عليكم بإخباركم، فيقولوا لكم: قد أقررتم أنّه نبيٌّ حقٌّ في كتابكم، فلم لا تتبعونه، وذلك: أنَّ اليهود قالوا لأهل المدينة، حين مشاورتهم في اتّباع محمَّد - صلى الله عليه وسلم -: آمنوا به، فإنّه نبيّ حقّ، ثُمَّ لام بعضهم بعضًا، فقالوا: أتحدِّثونهم بما فتح الله عليكم، لتكون لهم الحجَّة عليكم، عند


(١) العمدة.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن بتصرف.