وهي جائزة الإضمار، إلاَّ إن جاء بعدها لا، فيجب إظهارها، وهي متعلِّقةٌ بقوله:{أَتُحَدِّثُونَهُمْ} فهي لام جرٍّ، وتُسمَّى لام كي، بمعنى: أنّها للسبب، كما أنَّ كي للسبب، ولا يعنون أنَّ النصب بعدها بإضمار كي، وإن كان يصحّ التصريح بكي، فتقول: لكي أكرمك؛ لأنّ الذي يضمر إنَّما هو أنْ، لا كَيْ، وقد أجاز ابن كيسان، والسيرافي: أن يكون المضمر بعد هذه اللام كي، أو أن، وذهب الكوفيون: إلى أنَّ النصب بعده اللام؛ إنّما هو بها نفسها، وأنَّ ما يظهر بعدها من كي، وأن؛ إنَّما ذلك على سبيل التأكيد، وتحرير الكلام في ذلك مذكورٌ في مبسوطات كتب النحو فراجعها. انتهى. وذهب بعض المعربين: إلى أنَّ اللام تتعلَّق بقوله: فتح، وليس بظاهرٍ؛ لأنَّ المُحَاجَّة ليست علةً للفتح، إنّما المحاجة ناشئةٌ عن التحديث، والضمير في قوله:{بِهِ} عائدٌ (١) إلى ما في قوله: {بِمَا فَتَحَ الله}، وبهذا يبعد قول من ذهب إلى أنَّ {مَا} مصدريّة؛ لأنَّ المصدريّة لا يعود عليها ضمير، وقوله:{عِنْدَ رَبِّكُمْ} معمولٌ لقوله {لِيُحَاجُّوكُمْ} والمعنى: ليحاجُّوكم به في الآخرة، فكنى بقوله:{عِنْدَ رَبِّكُمْ} عن اجتماعهم بهم في الآخرة، كما قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)}، وقيل: معنى {عِنْدَ رَبِّكُمْ} في ربّكم، فيكونون أحقَّ به، فتكون عند بمعنى: في، وقيل: هو على حذف مضاف؛ أي: ليحاجُّوكم عند ذكر ربّكم، وقيل معناه: أنّه جعل المحاجَّة في كتابكم محاجَّةً عند الله، ألا تراك تقول هو في كتاب الله كذا، وهو عند الله كذا بمعنى واحدٌ، وقيل: هو معمولٌ لقوله: {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} عند ربّكم؛ أي: من عند ربّكم ليحاجُّوكم، وهو بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ ميثاقهم بتصديقه. قال ابن أبي الفضل: وهذا القول هو الصحيح؛ لأنّ الاحتجاج عليهم هو بما كان في الدنيا. انتهى.
والأولى: حمل اللفظ على ظاهره من غير تقديمٍ ولا تأخيرٍ إذا أمكن ذلك، وقد أمكن حمل قوله:{عِنْدَ رَبِّكُمْ} على بعض المعاني التي ذكرنا.