للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي لا نهاية له، والجلال الذي لا غاية له، ثمّ أتبعه ببيان أنه قد ضرب في القرآن الأمثال، ليتدبروا ويتأمّلوا فيها، ولكن ذلك ما زادهم إلا نفورًا عن الحق، وقلّة طمأنينة إليه، ثمّ أردفه ببيان أنه لو كانت هذه الأصنام كما تقولون من أنها تقربكم إلى الله زلفى .. لطلبت لأنفسها قربة إلى الله، وسبيلًا إليه، ولكنّها لم تفعل ذلك، وكيف تقرّبكم إليه، وكل ما في السموات والأرض يسبح بحمده، بدلالة أحواله على توحيده، وتقديسه، وكمال قدرته، ولكنكم لجهلكم وغفلتكم لا تدركون دلالة تلك الدلائل.

قوله تعالى: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أنه سبحانه وتعالى لما أنهى الكلام في مقام الألوهية، وجدالهم بالّتي هي أحسن، بضرب الأمثال لهم، وإقامة الحجة عليهم، وإيضاح السبيل لهم .. أردف هنا بالكلام في مقام النبوة، والنعي عليهم في عدم فهمهم للقرآن، والنفور منه، والهزء به، وضربهم الأمثال للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقولهم فيه تارةً إنه ساحرٌ، وأخرى إنه مجنون وحينًا إنه شاعر.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ...} الآية، أخرج (٢) ابن المنذر عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا القرآن على مشركي قريشٍ، ودعاهم إلى الكتاب قالوا يهزؤون به: {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك: {وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ...} الآيات.

وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ أبا سفيان، والنّضر بن الحارث، وأبا جهل وغيرهم، كانوا يجالسون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ويستمعون إلى حديثه، فقال النضر يومًا: ما أدري ما يقول محمد غير أني أرى شفتيه تتحركان بشيء، وقال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول حقا، وقال أبو جهل: هو مجنون، وقال أبو لهب: هو كاهن، وقال حويطب بن عبد العزى: هو شاعر فنزلت هذه الآية.


(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.