للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم أكد عدم علم أحد بها بقوله: {وَما أُوتِيتُمْ}؛ أيها الناس: مؤمنكم ولا كافركم؛ أي: وما أعطيتم {مِنَ الْعِلْمِ} بالنسبة إلى علم الله تعالى، {إِلَّا قَلِيلًا}؛ أي: إلا علمًا قليلًا تستفيدونه من طرق الحواس الخمس الظاهرة، السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس؛ أي: إن علمكم الذي علمكم الله سبحانه ليس إلا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإن أوتي حظًا من العلم وافرا، بل علم الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر عليهما السلام.

وخلاصة ذلك (١): أنه ما أطلعكم من علمه إلّا على القليل، والذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر بعلمه تبارك وتعالى، ولم يطلعكم عليه.

وقرأ عبد الله بن مسعود والأعمش (٢): {وما أوتوا} بضمير الغيبة عائدًا على السائلين.

تنبيه: اختلف في المراد بالروح في هذه الآية على ثلاثةِ أقوالٍ:

الأول: أنّ المراد بالروح هنا القرآن، وهو المناسب لما تقدمه من قوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ} ولما بعَده من قوله: {وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} ولأنه سمّي به في مواضع متعددة من القرآن كقوله: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا} وقوله: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ}، ولأن به تحصل حياة الأرواح والعقول، إذ به تحصل معرفة الله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، ولا حياة للأرواح إلا بمثل هذه المعارف.

والثاني: أن المراد بالروح هنا جبريل عليه السلام، وهو قول الحسن، وقتادة، وقد سُمِّي جبريل في مواضع عدّةٍ من القرآن بالروح كقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ} وقوله: {فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا} ويؤيد هذا أنه قال في هذه


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.