وتماديهم في اللجاج، وصدودهم في الغي، والمكابرة، وطمس الحقائق، وإنكار الوقائع، ثمّ أورد شاهدًا على ذلك ما لاقاه موسى من مكابرة فرعون وملئه، وضرب مثلًا في المغبّة التي نالها فرعون ومن معه ثمّ عاد إلى الموضوع الذي شرع فيه، وهو كون القرآن نازلًا بالحق، وإليه هادفًا.
ومنها: القصر الإضافي في قوله: {إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} والقصر: هو تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص، وينقسم إلى حقيقي، وإضافي فالحقيقي ما كان الاختصاص فيه بحسب الحقيقة، والواقع نحو لا: كاتب في المدينة، إلا علي، والإضافي ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة إلى شيء معين، نحو ما علي إلّا قائم؛ أي: له صفة القيام، لا صفة القعود، و {ما} هنا كذلك، لأنّ المعنى: ما أرسلناك إلّا بصفة التبشير، والإنذار، لا بصفة الهداية، لأنّ الهداية، والإضلال علينا.
ومنها: التكرير المعنوي في قوله: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّدًا} وقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ} فقد كرر الخرور للذقن، وهو السقوط: على الوجه لاختلاف الحالين، فالأول خرورهم في حال كونهم ساجدين، والثاني خرورهم في حال كونهم باكين.
ومنها: الإتيان بالحال الأول اسمًا وهو قوله: {سُجَّدًا} للدلالة على الاستمرار، والحال الثانية، فعلا، وهي قوله:{يَبْكُونَ} للدلالة على التجدد والحدوث، فكأنّما بكاؤهم يتجدد بتجدد الأحوال الطارئة، والعظات المتتالية.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ}؛ أي: بقراءة صلاتك من إطلاق الكل، وإرادة الجزء، والعلاقة الجزئية.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا} حيث استعار السبيل الذي هو محلّ المرور للصوت الوسط، بين الجهر، والمخافتة بجامع أنّ كلًا منهما أمر يتوجه إليه المتوجهون، ويؤمه المقتدون فيوصلهم إلى المطلوب.